هذه الآيات التي ذكرها المصنف هي تابعة لما سبق ذكره من النصوص في تفصيل الأسماء والصفات، لكن المصنف رحمه الله عني بتقرير صفات الأفعال؛ لأن متكلمة الصفاتية تأولوا هذا النوع من الصفات ولم يثبتوه، فصارت عناية المصنف رحمه الله بذكر هذا النوع من الصفات أظهر؛ فإن الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة وجمهور المسلمين تحقق عندهم الإنكار لقول الغلاة من أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة، وإنما الذي التبس شأنه على كثيرٍ من المنتسبين للسنة والجماعة -سواءٌ كانوا من الفقهاء أو من الصوفية أو من المتكلمين- ما يتعلق بباب الصفات الفعلية، إذ أن كبار متكلمة أهل الإثبات كـ عبد الله بن سعيد بن كلاب والأشعري وأبي منصور الماتريدي وأمثالهم أولوا هذا النوع من الصفات، فالتبس شأنه على كثير من أهل العلم، ولهذا اعتنى المصنف رحمه الله بذكر آيات الأفعال، وقد بيَّن في مقام آخر أن هذا النوع من الصفات مذكورٌ في القرآن في أكثر من مائة موضع.
فقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}[محمد:٢٨] فيه إثبات لسخطه سبحانه وتعالى، وهي صفة قائمةٌ بذاته، على ما تقتضيه مشيئته وحكمته وإرادته.
ومثله قوله تعالى:{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ}[الزخرف:٥٥]، الأسف هنا: هو الغضب، أي أغضبونا: أي لما غضب الله سبحانه وتعالى عليهم انتقم منهم، وكذلك قوله:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}[التوبة:٤٦] في ذكر شأن المنافقين، فإن هذا فيه إثبات لكرهه سبحانه وتعالى.