[حكم أهل البدع]
قال رحمه الله: [لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة].
قوله: (كلها في النار) ليس حكماً على أهل البدع أنهم من أهل النار كالحكم على الكفار في مثل قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الأحزاب:٦٤ - ٦٥]، بل المقصود من قوله: (كلها في النار) أن أصحابها الذين خرجوا عن الأصول الشرعية المنضبطة مستحقون للوعيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:١٠]، ونحن لا نجزم لكل من أكل مال يتيم بهذا، إنما يقال: أكل مال اليتيم من موجبات العقاب، فكذلك الخروج عن هذه الأصول السلفية من موجبات العقاب.
أما تقدير هذا العقاب فهو على علم الله وحكمته؛ ولذلك المصنف -أعني شيخ الإسلام - في أول الرسالة قال: أما بعد ..
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة.
فقال بعض أهل البدع في ذلك الوقت له: يلزم أن أئمتنا الذين ماتوا ليسوا ناجين عند الله! فقال: أنا أقول: من اعتقد هذا المعتقد كان ناجياً، ومن خالف ما هو منه، فهذا بحسب علم الله وحكمته، فقد يكون معذوراً في بعض مخالفته، وقد لا يكون معذوراً في بعضها
وهلم جراً.
لكن مما يعلم أن من خالف في أصل من أصول أهل السنة الكبار، فلا بد أن عنده تفريطاً فيما هو من الحق، لا يمكن أن تكون هذه المخالفة على اجتهاد مأذون فيه مقبول، لا بد أن يكون عنده من النقص والتفريط ما ينزله عن مقام الاجتهاد المأذون فيه.
[إلا واحدة وهي الجماعة.
وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة].
قوله: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم) هذه اللفظة تُكُلِّمَ في صحة سندها، لكن سواء صح سندها أو لم يصح، فإن معناها صحيح.
[وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، أولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال، وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة).
نسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً].