[شرح مقدمة الواسطية]
قال المصنف رحمه الله: [الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد].
هذه المقدمة يقع في كتب شروح الواسطية -بل ويقع في كتب الشروح بعامة- تعليق على جمل فيها من جهة اللغة؛ كالباء في قوله: بسم الله الرحمن الرحيم، وتعلق الجار بالمجرور وما إلى ذلك، ثم تفسير الحمد، قالوا: ويكون باللسان وبالقلب وبالجوارح
وما إلى ذلك؛ ولهذا أرى أن التعليق على هذه المعاني من الأشياء المتداولة المكررة، ولكن أحب أن أنبه أن هذا النظم الذي يقدم به الأئمة في كتبهم أشرفه ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبه، وهو قوله: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه
إلخ، هو من النظم الشرعي الذي قد يقع به هداية أقوام من الكفر إلى الهداية؛ فإن ضماداً -والحديث رواه ابن عباس، كما في الصحيح- قدم مكة وكان من أزد شنوءة، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون.
فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه، فقال: يا محمد إني سمعت ما يقول الناس، وإني أرقي من هذه الريح فهل لك؟ -أي: فهل لك أن أرقيك أو أداويك- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ..
وذكر عليه الصلاة والسلام بين يدي حديثه هذه الخطبة، فلما قال: أما بعد، قال له ضماد: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فقال له ضماد: يا محمد! لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر، هات يدك أبايعك على الإسلام!
فهذه الأحرف الشرعية المأخوذة إما اقتباساً وإما نقلاً من كلام الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم لها شأن باعتبار نظمها؛ فإنها جمل شرعية جامعة لمسائل التوحيد ومسائل الحق ونحو ذلك، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يستفتح بها.
ويقع في كتب الشروح -ولا سيما المتأخرة- أنهم يعلقون كثيراً على مسألة الابتداء بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ فمنهم من يقول: إن هذا اتباع لحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر) ثم يأتي التعقيب بأن هذا حديث لا يثبت، ثم يأتي الالتماس بأوجه.
وهذا فيما أحسب من غريب الحال، فإن هذه المسألة ينبغي أن تتجاوز، فإن البداءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) بداءة مناسبة، بل كأنها بداءة فطرية؛ فإن القرآن بدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، بل حتى العرب في جاهليتها كانت تبدأ كتبها ومراسلاتها باسم الله، وإن كانت لا تنطق بهذا التصريح الشرعي.
فمثل هذه التعليقات -فيما أرى- لا ينبغي لطالب العلم كثرة الاشتغال بها وكأنها من التحقيق؛ بل ينبغي في مثل هذه المسائل البينة الواضحة تجاوز النظر فيها إلى المسائل التي لها الأهمية والأولوية لينصرف إليها التأمل والبحث والنظر.
قول المصنف: (فهذا اعتقاد) هذه اللفظة -اعتقاد- ليست مستعملة في الأحرف الشرعية النبوية فضلاً عن أحرف القرآن، ولكن درج كثير من أهل السنة والجماعة -بل وغيرهم من الطوائف- على تسمية ما يختص بمسائل أصول الدين بالمعتقد.
وهذه الكلمة من جهة اللغة تدل على ما يقع في القلب من المعاني والعلم، فإن الاعتقاد محله القلب.
ونحن نعلم أن الأصول الشرعية التي يقال: إنها أصول الدين، ليست بالضرورة مقصورةً على المحال القلبية وحدها.
وهذا يستدعي أن نعلق على مسألة شاعت في كتب المتأخرين ممن كتب في أصول الدين أو مسائل أصول الفقه ونحوها، وهي تقسيم الدين إلى أصول وفروع.