قال المصنف رحمه الله:[فصل: ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح].
قوله:(ومن أصول أهل السنة) إشارة إلى قدر هذا الباب، وأن القول في مسمَّى الإيمان هو من الأصول المتفق عليها بين أئمة السنة والجماعة، وإذا كان القول من الأصول، فإن القاعدة فيه معروفة من جهة أنه لا يجوز مخالفته، ولا يجوز الاجتهاد بخلافه، حتى ولو كان الاجتهاد عند المجتهد أو الناظر مبنياً على نوع من الدليل الشرعي، ولهذا فلا شك أن قول مرجئة الفقهاء -ولا سيما أئمة هذا القول كـ حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة - لم يكن مبنياً على شيء من الأصول البدعية الكلامية، أما بدع الجهمية والمعتزلة التي خالفوا بها السلف فإنها بنيت على أصول من علم الكلام، بخلاف حماد بن أبي سليمان، فإنه لما قال مقالته -وهو أول من خالف من أئمة السنة في هذه المسألة- فلا شك أنه بناها على شيء من الدليل الشرعي، كالاستدلال بقول الله تعالى في القرآن كثيراً:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة:٢٧٧]، وظهر له من هذه السياقات أن العمل ليس من الإيمان.
فالمقصود: أن مثل هذا الاجتهاد لا يجوز ولو كان مبنياً على دليل شرعي، وهذا من جهة أن الاجتهاد بعد ثبوت الإجماع يعلم غلطه ولا بد.
وإنما كان محرماً ومنهياً عنه؛ لأن الإجماع إذا انعقد علم أن الاجتهاد يتعذر أن يُحصَّل به صواب يخالف ما سبق الإجماع عليه.
وهذه قاعدة مطردة: أن الإجماع إذا تحصَّل امتنع الاجتهاد بخلافه، ولو كان المجتهد يبني اجتهاده على ظاهر دليل، وحتى لو كان ظاهر الدليل في نظره مخالفاً للإجماع، فما دام الإجماع محفوظاً، فلا يجوز النظر بخلافه؛ لأنه يعلم الغلط فيه ولا بد.