[قاعدة في الصفات الفعلية]
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:٩٣]].
فيه إثبات غضبه سبحانه وتعالى، وإثبات لعنه، ولكن غضبه ولعنه لا يذكر مطلقاً، بل يذكر مضافاً.
ويعاب على كثير من المتأخرين من أهل السنة أنهم قرروا صفات الله سبحانه وتعالى بوجه ليس له أصل في القرآن، فلا يفرقون بين ورود صفة العلم وبين ورود صفة المكر، ولا شك أن هذا ليس من الكمال.
فتجدهم يقولون: ومن صفاته: العلم، والرحمة، والغضب، والمكر، والقدرة، والعزة، مع أن مقامها في القرآن ليس واحداً، فهناك جملة من الصفات جاء ذكرها اسماً، أي: سمي الله سبحانه وتعالى بمدلولها، فصار من أسمائه الرحمن، والعليم، والسميع، والبصير.
ولا شك أن ما جاء ذكره من الصفات اسماً، فهو مبني على الإطلاق، وأما ما لم يرد بذكره اسم، فقد يكون له وجه من الإطلاق، وقد يكون له وجه من الإضافة.
فلا بد أن تلتزم هذه القاعدة في تقرير صفات الرب سبحانه وتعالى؛ لأن الله ما ذكر المكر صفة مطلقة له، فلا يحق لأحد أن يقول: إن من صفاته: المكر، والقاعدة في هذا الباب مبنية على اللغة وعلى العقل، والاعتبار الأول للعقل، واللغة أداة للفهم، فهي وسيلة يتوصل بها إلى مدلولات العقل بحسب تخاطبات بني آدم، ولهذا لا يلزم أن تكون اللغة هي العربية، إنما نزل القرآن بلغة العرب، لكن نزلت التوراة والإنجيل بغير العربية، وجمهور كتب الأنبياء لم تكن بالعربية، فليس بالضرورة أن نقول: لغة العرب، وإنما نقول: اللغة.
ومن جهة حكم العقل على المعاني يختلف المعنى المطلق عن المعنى المضاف المقيد، ولا أحد من العقلاء يعطي المعاني المضافة أحكام المعاني المطلقة، فكما أن التقييد للمطلق وهم، فكذلك الإطلاق للمقيد وهم، والمعنى المقيد في العقل يختلف عن المعنى المطلق.
وهناك معانٍ إذا قيدها العقل فسدت؛ لأن العقل لا يقبلها إلا مطلقة، ولا تكون كمالاً إلا مطلقة، فلو قيد علم الله سبحانه وتعالى بأشياء دون أشياء، فإن ذلك لا يكون كمالاً؛ بل يكون نقصاً؛ لأنه يستلزم أن ثمة قدراً من المتعلقات يلحقها الجهل؛ وكذلك الصفات المقيدة لا يجوز إطلاقها؛ لأنها إذا أطلقت أصبحت نقصاً.
فليس من صفات الله المطلقة: المكر؛ لأن هذه الصفة على الإطلاق ليست مدحاً، ولهذا ذكرها الله سبحانه وتعالى مقيدة.
فيجب أن يُلْتَزَم سياق القرآن في الصفات.
تذكر ولا إلا بألفاظ القرآن والسنة، أو بتعبير من المتكلم؛ لكن يكون هذا التعبير موافقاً لسياقها المذكور في القرآن أو في السنة.