[الأصل الأول: الإيمان بعموم علم الرب سبحانه وتعالى بكل شيء]
الأصل الأول: الإيمان بعموم علم الرب سبحانه وتعالى بكل شيء: علمه بما كان، وبما سيكون، وبما لم يكن.
وقد دخل في عموم علمه سبحانه وتعالى: علمه بأفعال العباد قبل وقوعها، وهذا المعنى هو الذي ينازع فيه غلاة القدرية الذين ينازعون في عموم علم الرب بأفعال العباد قبل كونها، ويزعمون أنها تعلم عند كونها.
فالأصل الأول: إيمان أهل السنة والجماعة بعموم علم الرب سبحانه وتعالى بكل شيء، وأنه دخل في عموم علمه سبحانه علمه بأفعال العباد قبل كونها.
وهذا الأصل -وإن قيل أنه من أصول أهل السنة والجماعة- فإنه لا يفهم من هذا أن طوائف المسلمين يخالفون في هذا الأصل، فإن الأصول المقولة عند السلف لا يلزم بالضرورة أن يخالفها كل أصناف أهل البدع، وهذا الأصل لا يخالفه أحد من أهل البدع الذين هم من أهل القبلة؛ فكل من تحقق انتسابهم إلى القبلة قد أجمعوا على أن هذا الأصل أصل محكم، وإنما نقلت المنازعة في هذا الأصل عن غلاة القدرية، الذين قالوا: إن الله -سبحانه وتعالى عن قولهم- لا يعلم أفعال العباد إلا عند كونها، أي: عند وجودها، فلا يعلمها قبل كونها.
هذا القول منقول عن غلاة القدرية، وليس هناك ضبط عند أهل المقالات لأعيان هؤلاء، وإنما هو قول ذكره بعض أهل العلم وأهل المقالات أن هذا يقول به الغلاة من القدرية.
وهؤلاء الغلاة من القدرية ليسوا من المسلمين، بمعنى: أن زعمهم للإسلام هو من باب النفاق، بل إنهم كفار، وليس لهم من الإسلام حظ، وليسوا في عداد أهل القبلة، وهذا معنىً متحقق بالإجماع حتى عند القدرية المعتزلة الذين يوافقون السلف في هذا الأصل، ولكنهم ينفون خلق الله لأفعال العباد، فإن المعتزلة قد نصوا على أن من أنكر علم الرب بأفعال العباد قبل كونها، فإنه كافر.
إذاً: كفر هؤلاء الغلاة مجمع عليه بين المسلمين من أهل السنة وغيرهم حتى القدرية منهم، ولذلك فهؤلاء القدرية الغالية، وإن شاركوا المعتزلة نوع مشاركة في مسألة القدر إلا أنهم ليسوا منهم، بل هؤلاء قوم من الزنادقة الذين ادعوا الإسلام وانتسبوا إليه من جنس انتساب عبد الله بن أبي وأمثاله، ولكن ابن أبي نفاقه من جهة، وهؤلاء نفاقهم من جهة أخرى.
فالمقصود أن القدرية الغلاة ليسوا من المسلمين، وقد ذكر شيخ الإسلام في غير موضع أن قولهم هذا اندثر في الجملة، بل هذا من أقوال الكفار.