قول الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] يقال: ليس كمثله شيء، سواء كان هذا الشيء موجوداً كالحس، أو كان موجوداً مفارقاً، أو كان شيئاً متصوراً، أو كان شيئاً مفروضاً، أي: أن الرب سبحانه وتعالى منزه عن سائر موارد التشبيه والمماثلة، ليس كمثله شيء؛ سواء كان هذا الشيء موجوداً في الحس كأحوال بني آدم وأفعالهم وصفاتهم؛ فإن الباري ليس كمثلها.
أو كان هذا الشيء موجوداً، ولكن وجوده ليس حسياً، وإنما هو وجود مفارق لا يراه الناس ولا يعلمه المخاطبون، فإن الرب سبحانه وتعالى ليس كمثل هذا الشيء.
أو كان هذا الشيء من الأشياء المتصورة في العقل، فإن كل صفة من الصفات تصور العقل لها كيفية، فإن هذا التصور الكيفي الذي حكم به العقل يعلم أن الله سبحانه منزه عنه.
أو كان هذا الشيء ليس متصوراً في العقل ولكن الذهن يفرضه، وفرض الذهن هو قبل التصور، ويُقصد من هذا الإطلاق بيان أن الله سبحانه وتعالى منزه تنزيهاً مطلقاً عن المثيل والشبيه، فإنه سبحانه وتعالى كما في صريح الآية:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١].
وهذه الآية من أخص ما اعتصم به أهل السنة والجماعة في أن الإثبات لا يستلزم التشبيه، فإن الله يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] فإن الإثبات هنا جاء في مورد النفي، أي: جمع بين الإثبات والنفي في سياق واحد؛ فدل على أن الإثبات ليس معارضاً للنفي المذكور في القرآن، بل إن الإثبات لا يكون لائقاً بالله سبحانه وتعالى إلا إذا تضمن هذا التنزيه، وإلا فإن مطلق الإثبات ليس تنزيهاً، فإن الصفات يشترك فيها الخالق والمخلوق، واختصاص الباري سبحانه وتعالى ليس بأصل الصفة، فإن الله يوصف بالكلام، والمخلوق يوصف بالكلام، والله يوصف بالعلم، والمخلوق يوصف بالعلم ..
إلى غير ذلك، وإنما اختصاص الباري سبحانه وتعالى أن ما أضيف إليه من الصفات لا يكون مماثلاً لما أضيف إلى المخلوق من الصفات، فإن صفات الباري متعلقة بذاته، وكما أن ذاته منفكة عن ذوات المخلوقين فإن صفاته سبحانه وتعالى كذلك.