لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع بين المسلمين اختلافٌ في مسائل أصول الدين، نعم قد حدثت الردة وارتد كثير من قبائل العرب، وقاتلهم الصديق في القتال المعروف بقتال المرتدين، لكن لم يحدث نزاع في مسائل أصول الدين بين المسلمين لا في المدينة النبوية ولا في بوادي العرب، حتى جاءت خلافة عمر، وأسلمت كثير من البلاد التي لم تكن كالجزيرة العربية في أمية أهلها، ففتحت العراق وبلاد أخرى، وكان أهل هذه البلاد المفتوحة أصحاب علمٍ سابق، ونظر سابق، وأصحاب ديانات سابقة؛ فهذه البلاد التي فتحت زمن عمر رضي الله عنه وفي زمن عثمان رضي الله عنه ..
أسلم أهلها من جهة الجملة، لكن إسلامهم لا يستلزم أنهم أصبحوا من أهل الإيمان والتحقيق، فإن الله سبحانه قال عن الأعراب:{قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات:١٤] فأهل هذه البلاد أسلموا إسلاماً عاماً، وكثير منهم صار من المؤمنين الصادقين ومن أولياء الله سبحانه وتعالى، لكن في كثير منهم تقصير وفسوق وظلم وغير ذلك.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه كما وجد النفاق في المدينة النبوية، فإن النفاق العلمي ظهر ووجد في مثل هذه الأمصار العراقية والشامية وغيرها، والتي فتحت زمن الخلافة الراشدة، فهذه الأمصار كثير من أهلها عندهم قدر من عدم التحقيق في هذه الأبواب الشرعية.
وهذه البلاد -أيضاً- كان عندها شيء من الثقافات السابقة، فأهالي العراق وبلاد فارس كانت موطناً للفلسفات: فلسفات اليونان التي في أعالي العراق، وفلسفات الفرس، وفلسفات الهند، وهي فلسفات متداخلة.
هذه الفلسفات والأقوال والطرق بقي منها شيء، وكذلك بقي قومٌ على أصل دينهم وملتهم لم يدخلوا الإسلام
فهذا الإسلام المعروف تاريخياً هو إسلام عام لا يعني تحقيق الإيمان، فقد كان في هؤلاء المقصر وفيهم الظالم وفيهم الفاسق وفيهم المنافق النفاق العلمي