ومن هنا: فإن أول نزاع حدث في مسائل أصول الدين هو نزاع الخوارج، لما خرجت الخوارج وكفرت مرتكب الكبيرة من المسلمين.
ولكن الخوارج لم تأخذ هذه المقالة -وهي القول بأن مرتكب الكبيرة كافر- من ديانة سابقة أو نظرية من النظريات المعروفة في الديانات المخالفة لدين الإسلام أو حتى لدين المرسلين، بل هي مقولة دخلت على الخوارج لموجبات، أخصها: الطعن في السنة النبوية، حيث لم يعتبروا رواية الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عدم الفقه لكتاب الله سبحانه وتعالى، ولو اعتبرت الخوارج الأولى القرآن، فإن القرآن صريح في أن أهل الكبائر ليسوا كفاراً.
ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢]، ولو كان الزنا كفراً لكان حكمه في كتاب الله القتل؛ لأنه (من بدل دينه فاقتلوه)؟
ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى يقول في قتل العمد:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة:١٧٨] فسوغ العفو فيه، وجعل القاتل أخاً، ولم يسقط عنه حق الأخوة.؟
ألم تر أن الله سبحانه يقول:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨]؟ ولم يأمر بالقتل من باب الردة ... ؟ إلى غير ذلك.
والخوارج ليسوا معذورين في مسألة السنة، بل حتى القرآن؛ فإن سائر الأصول التي ضلوا فيها محققة في كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن مسائل الأسماء والصفات، والقدر، والشفاعة، والإيمان ومسماه، والأسماء والأحكام وغيرها هي صريحة في كتاب الله، كما أنها أيضاًأيضأيضاً صريحة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود: أن مقولة الخوارج هي في هذا الوجه، مع ما في نفوس الخوارج من الشدة التي لم يقيدوها بهدي الشارع، وهدي الشريعة، والتي جاءت بأن تكف النفوس عن طباعها، فإن النفوس تميل إلى هذه الشدة، والله لما ذكر الإنسان من جهة جنسه قال:{وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب:٧٢] فإذا انفك الإنسان عن هدي الرسالة فإنه يميل إلى الشدة الكامنة فيه.