[إثبات صفة السمع وأن الله يسمع ويرى]
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١]].
في هذه الآية إثبات للسمع، وهي وأمثالها تكذب قول المعتزلة الذين قالوا: إنه سميع بذاته، وليس سميعاً بسمع، فالآية صريحة بإثبات الفعل في قوله تعالى: (يسمع) فدل على أنه سميع بسمع، وهو لائق به سبحانه وتعالى، وهذا أيضاً يغلط قول أبي محمد ابن حزم رحمه الله، فإنه قال قريباً من قول المعتزلة.
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١] وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠] (بَلَى وَرُسُلُنَا): المراد بالرسل هنا الملائكة].
وهذا فيه إثبات لسمعه سبحانه وتعالى، وأنه لا يعزب عنه شيء.
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى سمعه علقه بالسر والنجوى، فدل على غيره من باب أولى، ولما ذكر علمه سبحانه وتعالى علقه بما في الصدور، وهذا يدل على أن المراد من صفة السمع الحقيقة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد بسمعه العلم، لما كان هذا خاصاً بالسر والنجوى، ولهذا فرق سبحانه وتعالى بين الصفات، فحين ذكر علمه قال: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩] وحين ذكر سمعه جعله في أدنى متعلقات السمع، وهما السر والنجوى، فدل على أن السمع هنا يراد به السمع على حقيقته.
ولهذا صار أخص متعلقاته في القرآن السر والنجوى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ).
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]].
وهذا كذلك، ولهذا لما ذكر الله سبحانه معيته جعلها مضافة إلى موسى وهارون، فإن السياق في ذكرهما، وهذه هي معيته الخاصة سبحانه وتعالى المتضمنة لنصره وتأييده، والسمع هنا ذكر مطلقاً غير مقيد، وكذلك الرؤية ذكرت مطلقةً غير مقيدة.
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:١٤]].
وهذا إثبات لرؤيته وبصره سبحانه وتعالى.
قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:٢١٨ - ٢٢٠]، وقوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥]].
(فَسَيَرَى اللَّهُ): هل المقصود هنا الرؤيا العلمية أو الرؤية البصرية؟ هذا من جهة اعتبار اللغة له اعتبار، لكن من جهة اعتبار الشرع يقال: إن الآية عامة، (فَسَيَرَى اللَّهُ): أي يعلم الله سبحانه وتعالى عملكم ويبصره.