[إثبات القرب والمعية لا ينافي إثبات العلو والفوقية]
قال المصنف رحمه الله:[وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليم في دنوه، قريب في علوه].
فمن حقق الإيمان بهذه الجملة الشرعية العقلية أنه سبحانه ليس كمثله شيء، ذهب عنه جميع اللوازم التي تعرض لعقول من ضعف إيمانهم.
والله سبحانه وتعالى لم يأمر الخلق أجمعين بالنظر، وإنما أمر بالنظر من استدعت حالته ذلك، بمعنى أنه اعترى فطرته وعقله الضروري قدر من الفساد، فهنا يؤمر باستعمال العقل النظري، لأن العقل النظري يستعمل فيه القياس الوسط، بخلاف الفطرة والعقل إذ ليس فيهما مادة من القياس، فقوله تعالى مثلاً:{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأعراف:١٨٥] لا يعني أنهم ينظرون في شيء لا يدرك إلا بالنظر، كما فهمت المعتزلة، فإن الشيء الذي نبهوا إليه مدرك بأصل الفطرة، وبدليل العقل الضروري.
ولكن من اختلت فطرته أو مدرك العقل الضروري عنده، فإنه يؤمر بالنظر.
ولهذا غلط الأئمة طريقة المعتزلة لأنهم قالوا: أول واجب على المكلف النظر، قالوا: لأنه تحصيل للحاصل، وتحصيل الحاصل ممتنع.
فإن قالت المعتزلة: إن الله أمر بالنظر، قيل: أمر بالنظر في حق من سقط عنده مقام العقل الضروري ومقام الفطرة، وإلا فأصل مدرك العقل الضروري ومدرك الفطرة: أن الله سبحانه وتعالى له الربوبية وله الألوهية، وله الكمال.