[الرد على شبهات الرافضة حول الصحابة رضي الله عنهم]
بعض من يشكل على هذا الاستدلال يقول: إن الله تعالى قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة:١٠٠] فقال: (السابقون) وقال: (الأولون)، ولم يجعل هذا في سائر الصحابة، بل قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠] ولم يجعله في سائر الصحابة.
فنقول: نعم، السابقون الأولون لهم منزلة أعظم من منزلة سائر الصحابة، كما قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:١٠] فالسابقون الأولون الذين آمنوا من المهاجرين أولاً أو من الأنصار أولاً، هؤلاء المتقدمون زماناً هم الذين امتدحوا، وبقية الصحابة يدخلون في الذين اتبعوهم بإحسان؛ لأن الذين أسلموا كانوا يقتدون بمن سبقهم، ففي زمن النبوة كان الصحابة يقتدون بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا)؟! وهذا في الصحيح من حديث أبي قتادة في سياق طويل، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقتها حياً.
إذاً: من بعد السابقين الأولين من بقية الصحابة هم داخلون في مسألة الاتباع، أنهم اتبعوهم بإحسان ..
هذه جهة.
الجهة الثانية: أنه لا توجد طائفة من المسلمين تزكي السابقين الأولين بالتحقيق وتستثني من بعدهم، إنما هذه شبهة يستعملها من يريد أن يشكك العامة في دلالة الآية على امتداح الصحابة، وإلا فمعلوم أن إمام السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هو أبو بكر، ولو انكف الشيعة والرافضة بخاصة عن الطعن في أبي بكر لكان هذا مؤذناً بغيره، لكن أكثر من يقصدونه بالطعن هو أبو بكر رضي الله عنه.
إذاً: هذا متعذر أن يكون إيراداً على الآية؛ لأنه مجاب عنه على سائر الموارد.
ومنهم من فرض أن المقصود بالسابقين الأولين هم أئمة آل البيت، والنبي عليه الصلاة والسلام في حياته ما أعطى آل البيت القداسة التي صنعها التاريخ الشيعي لآل البيت، نعم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون بالله حتى يحبوكم لله ولقرابتي)، فيجب محبة مؤمنهم لكونه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس معنى ذلك أن المؤمن إنما يحب من هذا الوجه فقط، فالمؤمن يحب من هذا الوجه: من جهة أنه قد يكون من آل بيت النبي، كما يحب من جهة صدقه، ومن جهة بره، ومن جهة إحسانه، فموجبات المحبة للمؤمن كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم في آل البيت جعل من موجبات محبة مؤمنهم أنه قريب منه.
وأبو بكر لا يوجد فيه هذا الوجه؛ لأنه ليس من آل البيت، لكن لا يعني ذلك أن من كان من آل البيت امتاز امتيازاً مطلقاً عن أبي بكر بوجه من أوجه المحبة، ولا شك أن عند أبي بكر من أوجه المحبة ما هو أعظم مما عند آل البيت في سائرهم ..
هذا مما يعرف.
وقد كان علي بن أبي طالب -وهو أفضل آل البيت ومن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- يعرف هذه المنزلة لـ أبي بكر، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد بذلك تقديم آل البيت على غيرهم -كما تفعله الشيعة المتعصبة- لقدم علي بن أبي طالب على أبي بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ما قدم علياً ولا مرةً واحدةً تقديماً مطلقاً على أبي بكر، بل دائماً الذي في المقدمة هو أبو بكر، إلا يوم خيبر حين قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله) وهذا لا إشكال فيه، فقد أعطاها علياً هذه المرة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عقد رايات كثيرة وأمر أناساً كثيرين، فلم يكن في ذلك حجة لتقديمهم علياً على أبي بكر.
لماذا لم يدع قوم أن بلالاً له اختصاص مطلق لأنه أُعطي الأذان؟! فإن أعطي علي الراية، فقد أعطي بلال الأذان، وأعطي هذا كذا وأعطي هذا كذا ..
وكم عقد النبي من رايات لغير علي بن أبي طالب!! فلماذا لا يقف هؤلاء إلا مع راية علي بن أبي طالب؟!!
هذه طرق فاسدة في العقل والشرع.
علي بن أبي طالب هو أفضل رجل في الأمة بعد أبي بكر وعمر وعثمان، وإن كان القول في عثمان فيه خلاف معروف عند أهل السنة، إنما المقطوع به هو تقديم أبي بكر وعمر عليه، هذا هو المجزوم به إجماعاً صريحاً عند السلف، فإما أن يكون الثالث، وإما أن يكون الرابع، وهذا هو المشهور عند أهل السنة، فلا شك في فضله، ولا شك أن من موجبات فضل علي أنه من آل البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال عن الحسن والحسين: (إنهما سيدا شباب أهل الجنة) فليس ذلك لأنهما من آل البيت، وإنما لكونهما من أهل الإيمان، وقد كان من آل البيت من هم كفار، وأبو النبي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبي وأباك في النار).
قد يتفضَّل الله لآل البيت المؤمنين بدرجات لقربهم من رسول الله، فهذا يقع، ولكن موجبات الإيمان هي العبودية لله، لا أن هذا من آل البيت وهذا ليس من آل البيت.
والإسلام لم يأت ليكرِّس سلطة عائلة معينة، والنبوة ليست اكتساباً، ومن عقائد السلف بل من عقائد جمهور المسلمين إلا من شذ من المتفلسفة أن النبوة اصطفاء من الله، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ} [الحج:٧٥]، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:٢٥٣]، فالإسلام ما جاء ليكرِّس سلطة عائلة، والسلطة في الإسلام -وهي السلطة وليست النبوة- وضع لهذا أنظمة كالشورى وغير ذلك، فما بالك أن تكرس القضية الدينية الإيمانية لسلطة عائلة، ويمكن أن تخلو هذه العائلة من العلماء؛ فهل ينزل عليهم وحي؟! هل هم معصومون؟! هذه أشياء يجب أن تُفقه.
الإسلام أكبر من ذلك، الإسلام دين الله، ومحمد عليه الصلاة والسلام هو نبي اصطفاه الله، فتكريس مسائل السلطة في العائلة بحجة مسألة آل البيت، وجعل الإسلام كله كأنه يرجع للحسن والحسين وفاطمة وما حصل من قتل وظلم، فأين هي قضية العبودية والدين الإسلامي؟! هذا ضعف في تصوير الإسلام وبيان حقيقته العبادية الإيمانية.
والمقصود: أن هذه الآية دليل صريح من الشرع والعقل على أن هؤلاء القوم -أعني الصحابة- هم أهل الإيمان.
ورداً على من يقول: إن السابقين الأولين هم آل البيت، نقول: إن الله تعالى قال: (من المهاجرين والأنصار) وهب أن المهاجرين المقصودين في الآية كلهم آل البيت، فهل هناك أنصار من آل البيت؟! الأنصار معروف أنهم هم أهل المدينة النبوية، وهؤلاء ليسوا من قريش في الجملة أصلاً، وليسوا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والله يقول: (من المهاجرين والأنصار).
وهناك من يقول: (الأنصار) هنا هم الذين نصروا علي بن أبي طالب؛ فنقول: إن الآية نزلت قبل أن توجد مسألة الانتصار لـ علي بن أبي طالب، فهذا تحريف للقرآن، ولا شك أن الآية لما نزلت كانوا يسمون الأنصار، وهذا متفق عليه تاريخياً وعلمياً وشرعياً: أن أهل المدينة النبوية كانوا يسمون: الأنصار، فالقرآن لما نزل عرف أن المهاجرين هم أهل مكة، والأنصار هم أهل المدينة، والأنصار ليس فيهم من آل البيت أحد، من جهة النسب، فإن آل البيت هم من قريش ومن بني هاشم، والأنصار قبائل معروفة منفكة عن هذا من جهة الأصل.
أما من يقول: إن هذا وقت إيمانهم قبل أن يحصل منهم ما حصل، فنقول: إن الله تعالى قال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المائدة:١١٩] ونقول: إن الله قال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ} [التوبة:١٠٠]، وهذا خطاب للأمة كلها، حتى الذين اتبعوهم بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم متبعون لهم.
وأما من يقول: إن الله قال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:١٠٠]، فكأنه إشارة إلى أنه قد يحصل منهم الكفر أو الظلم.
فنقول: إذا كان يحصل منهم الكفر امتنع اتباعهم لا بإحسان ولا بغير إحسان؛ لأن من كفر لم يبق فيه شيء حتى يتبع بإحسان أو بغير إحسان.
وأما من يقول: إنه قد يحصل منهم ما هو من الظلم.
فنقول: هذا لو سُلِّم جدلاً أثبت تحقيق إيمانهم، وأنه قد يعرض منهم ما هو من النقص ..
وهذا ليس من مورد النزاع؛ لأنه لا يقال بعصمة آحادهم، إنما المعصوم هو اجتماعهم.
فالمقصود: أن الآية ينبغي التفقه فيها على هذا المعنى، وأن يُخاطب بها من عنده شيء في شأن الصحابة؛ لأنها صريحة في تحقيق هذه المسألة.
قال رحمه الله: [وطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)].
وإن كان هذا الحديث قد قاله النبي عليه الصلاة والسلام مخاطباً به بعض الصحابة، وكان مقصوده عليه الصلاة والسلام بالأصحاب هنا عند سبب ورود الحديث هم الأصحاب الأُوَل، ولكن إنما يذكره الأئمة لأنه إذا كان هذا في حال بعض الصحابة مع بعض، أي: أن متأخرهم لا يجوز أن يقع فيما هو من الذم أو السب لمتقدمهم، فمن باب أولى من بعدهم ممن ليسوا من الصحابة، فهذا من باب قياس الأولى.
فإذا قال عن بعض أصحابه: (فإن أحدكم لو أنفق) أي: أ