وفي [ص ١٦٦] قال: «ولما قالت له عائشة: " إنك لتحدث حديثًا ما سمعته من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار، إذ قال لها - كما رواه ابن سعد والبخاري (كذا) وابن كثير وغيرهم - شَغَلَكِ عَنْهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المِرْآةُ وَالمُكْحُلَةُ».
وليس في العبارة ما يستأهل أَنْ يصب المؤلف أَبُو رَيَّةَ على الصحابي أبي هريرة ذنوبًا من سفاهة، في أي منطق يا معشر العقلاء إِنَّ من يدافع عن نفسه يكون لا أدب عنده ولا وقار؟!!.
ومِمَّا ينبغي أَنْ يعلم أَنَّ الرواية التي ذكرها ابن كثير في " بدايته ": أنها قالت لأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَكْثَرْتَ الحَدِيثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قَالَ:«إِنِّي وَاللهِ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المُكْحُلَةُ وَلاَ الخِضَابُ، وَلَكِنْ أَرَى ذَلِكَ شَغَلَكِ عَمَّا اسْتَكُثَرْتِ مِنْ حَدِيثِي». قَالَتْ:«لَعَلَّهُ». وهذه الرواية تزيل ما يتوهم من الأولى وتدل على أنها اقتنعت بما قال.
وفي [ص ١٨٥] قال: «ومن كان هذا شأنه لا يكون - وَلاَ جَرَمَ - إِلاَّ مهينا لا شأن له ولا خطر» ولكن أتدري أيها القارئ بم استحق سيدنا أبو هريرة أَنْ يكون مهينا ... في نظر المؤلف؟ لأنه لم يصاحب النَّبِي إِلاَّ على ملء بطنه، وأنه اتخذ الصُفَّةَ مَلاَذًا لفقره، أكل منها كما يأكل سائر أهلها أو يأكل عند النَّبِي أو عند أحد أصحابه ... وهل هذا عيب يُجَرَّحُ به أبو هريرة؟!!.
ولقد مدح الحق - تبارك وتعالى - في الكتاب الكريم أَهْلَ الصُفَّةَ، ومنهم - وَلاَ جَرَمَ - أبو هريرة، وَإِنْ شئت فاقرأ معي قول الله سبحانه:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}(١). ثم يجيء أَبُو رَيَّةَ فيجعل المفاخر مثالب، والفضائل رذائل، فهل يا ترى ندع كلام الله الحق ونأخذ بتجنيات أَبِي رَيَّةَ؟!!.
وفي [ص ١٨٧] قال: ولقد استخفه أشره وزهوه ونم عليه أصله ونحيزته،