ولأجل أَنْ يُبَرِّرَ المؤلف تجنيه على أبي هريرة وأنه اختلق قصة بسط الثوب صار يتصيد بعض روايات زعم أنها تخالف حديث عدم النسيان فقال في [ص ١٧٨] مُتَهَكِّمًا:
على أن هذه الذاكرة القوية التي اختص بها أبو هريرة من دون الصحابة جميعًا بل من دون ما ذرأ الله من الطباع الإنسانية قد خانته في مواضع كثيرة، وأن ثوبه الذي بسطه قد تمزق فتناثر ما كان قد ضمه بين أطرافه وإليك أمثلة من ذلك، ثم ذكر: حديث الشيخين عن أبي هريرة: أن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ» وأن أبا هريرة حدث به ثم نسيه، وقصة ذي اليدين في السهو في الصلاة، وشك أبي هريرة في تعيين الصلاة أهي الظهر أم العصر وذكر أن أبا هريرة لما روى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» قالت عائشة: لَمْ يَحْفَظْ إِنَّمَا قَالَ: « ... مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ» وهكذا تتمخض المواضع الكثيرة التي زعم أنه نسي فيها عن ثلاثة أحاديث وسترى بعد الإجابة عنها أنه لن يسلم له إِلاَّ واحد أو اثنان.
١ - إن الروايات في قصة الثوب اختلفت، ففي بعضها تقييد عدم النسيان بما سمعه من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذه المقالة، ففي " صحيح مسلم ": «فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ» وفي " صحيح البخاري": «فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدُ» وفي بعض الروايات أن عدم النسيان إنما كان مُقَيَّدًا بالمقالة التي سمعها من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه القصة، ففي رواية شُعَيْبٍ:«فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ» وعلى هذا فإن كان المراد الثاني فلا ينافي أن ينسى قبل هذه المقالة وبعدها بعض الأحاديث، وإن كان المراد الأول وهو الراجح فلا ينافي نسيان بعض الأحاديث قبل هذه القصة.