على أنه يجوز أن يكون الحديث سبق لبيان فرط طوله من غير خصوص كونه ستين ذراعًا فيكون المراد به التكثير، ولعل مِمَّا يُقَوِّي هذا الفهم ما رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أُبَيٍّ بْنِ كَعْبٍ مرفوعًا:«إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلاً طُوَالاً كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ». ومن بعد ذلك كله فما هي الصلة التي بين موافقة ما رواه أبو هريرة عن النَّبِيِّ لما في التوراة وبين ما زعمه من أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار، وكعب لا صلة له بهذه القصة البتة؟!!.
ولما كان جُلُّ هَمِّ المؤلف التشكيك في الأحاديث ولا سيما ما رواه أبو هريرة فقد قال في حاشية [ص ١٧٥] بعد استشكال الحافظ للحديث: وأنكر مالك هذا الحديث وحديث «إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَإنه - أي الله سبحانه - يدخل في النار يده حتى يدخل من أراد» إنكارًا شديدًا وحديث «كشف الساق» من رواية أبي هريرة في " الصحيحين " - عند البخاري - «فَيَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا».
وإني لأقول للمؤلف وأشباهه:
إن المتكلم في مثل هذه المباحث الشائكة والأحاديث المشتبهة يجب عليه - إن كان بَاحِثًا حَقًّا - أن يدلنا على مصدره، ولا ندري في أي كتاب أنكر مالك هذا (*)، والذي يظهر لي من تتبع كلام المؤلف أنه إذا لم يجد لافتراءاته سَنَدًا يلقي الكلام جزافًا ويرسله على عواهنه، وهذه الأحاديث التي أشار إليها من المتشابهات، وقد شاء الله سبحانه أن يأتي بالمتشابه في قرآنه وأن يأتي به نَبِيَّهُ في أحاديثه، ليكون فتنة لأبي رِيَّةَ وأمثاله الذين لم تشرق قلوبهم بنور الإيمان، ولم ترق عقولهم إلى الإيمان بالمغيبات:
ومذهب السلف فيها معروف، ولو أنه كذب على غير مالك لجاز هذا عند بعض الناس أما مالك فمقالته في المتشابه معروفة مشهورة، فقد قال لمن سأله عن الاستواء: «الاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، أَخْرِجُوهُ