للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنَايَةُ الصَّحَابَةِ بِالأَحَادِيثِ وَالسُّنَنِ:

ولمكانة السُنَّة من الدين، ومنزلتها من القرآن الكريم عُني الصحابة بالأحاديث النبوية عناية فائقة، وحرصوا عليها حرصهم على القرآن، فحفظوها بلفظها أو بمعناها وفهموها، وعرفوا مغازيها ومراميها بسليقتهم وفطرتهم العربية، وبما كانوا يسمعونه من أقوال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما كانوا يشاهدون من أفعاله وأحواله، وما كانوا يعلمونه من الظروف والملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث، وما كان يشكل عليهم منها ولا يدركون المراد منه يسألون عنه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد بلغ من حرصهم على سماع الوحي والسُنن من رسول الله أنهم كانوا يتناوبون في هذا السماع، روى البخاري في " صحيحه " عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ (١) - وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ - وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ... » (٢) الحديث.

وبذلك جمعوا بين خيري الدين والدنيا، فما شغلهم دينهم عن دنياهم ولا شغلتهم دنياهم عن دينهم.

وإذا علمنا أنَّ القرآن والسُنَّة استفاضا ببيان فضل العلم والعلماء، وأنَّ الصحابة كانوا يعلمون أنَّ السُنَّة هي الأصل الثاني للدين، وأنهم كانوا يُحِبُّونَ رسول الله أكثر من حُبِّهِمْ لأنفسهم، وأنهم كانوا يجدون في الاستماع إليه لَذَّةً وروحاً. وأنهم كانوا يعتقدون أنه ما ينطق عن الهوى إنْ هو إِلاَّ وحي يوحى، وأنهم كانوا يجدون فيما يسمعونه منه غذاء الإيمان وزاد التقوى (٣)، وأنه سبيل إلى الجنة (٤).

إذا علمنا كل هذا أدركنا مبلغ حرص الصحابة على استماع السُنن والأحاديث


(١) أي ناحية بني أمية، سميت البقعة باسم من نزلها.
(٢) " صحيح البخاري " - كتاب العلم - باب التناوب في العلم.
(٣) كان الواحد منهم يقول لصاحبه وهو ذاهب إلى مجلس الرسول: «تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً».
(٤) في الحديث الذي رواه مسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».

<<  <   >  >>