بكذب ما روي عن أبي حنيفة، ثم هو معارض بما ثبت عن الإمام أبي حنيفة أنه قال:«مَاجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ» وهي عبارة عامة تدل على قبول ما جاء عنه سواء رواه أبو هريرة أم غيره.
وكون الصحابة كلهم عدولاً لم يخالف فيه أحد من الأئمة الأربعة ولا من أصحابهم الموثوق بهم، وكل ما هنالك أن الحنفية جعلوا من أصولهم أن الراوي إن كان معروفًا بالفقه والاجتهاد فإنهم يقبلون خبره، سواء وافق القياس أم خالفه، وأما إذا كان معروفا بالرواية فإن وافق خبره القياس قُبِلَ، وكذا إذا خالف قياسًا ووافق قياسًا آخر، ولكن إذا خالف الأقيسة كلها لا يقبل وحجتهم في ذلك أن النقل بالمعنى كان مستفيضا فيهم، فإذا قصر فقه الراوي لم يؤمن من أن يذهب شيء من معانيه فيدخله شبهة زائدة يخلو عنها القياس، وَمَثَّلُوا بحديث المصراة، فقد قالوا: إنه مخالف للقياس الصحيح من كل وجه، لأن ضمان المتلفات إما بالمثل أو القيمة، والصاع من التمر ليس بمثل ولا قيمة وقالوا: إن ضمان المتلفات بالمثل أو القيمة ثابت بالكتاب وَالسُنَّةِ والإجماع إلى آخر ما قالوا (١) وبعضهم لم يأخذوا بالحديث لا لمخالفته للقياس، بل لمخالفته للكتاب وَالسُنَّةِ والإجماع، فمن ثم يَتَبَيَّنُ لنا أن الحنفية لما توقفوا في بعض أحاديث أبي هريرة لم يقولوا إن ذلك لطعن في عدالته أو لاتهامه بالكذب كما زعم المؤلف، الذي تجنى بسوء فهمه على الحنفية، وأظهرهم بمظهر التاركين للأحاديث الصحيحة، الطاعنين في بعض الصحابة، ولا سيما أبو هريرة وإنما كان توقفهم بناء على هذا الأصل من أصولهم.
أَبُو هُرَيْرَةَ حَافِظٌ وَفَقِيهٌ:
والحنفية محجوجون في هذا، فقد نقل عن كبار الصحابة أنهم تركوا القياس بخبر الواحد، والتفرقة بين الراوي الفقيه وغيره أمر مستحدث والذي عليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا أن خبر الواحد إذا ثبت مقدم على القياس، وأيضًا فكون أبي هريرة غير فقيه غير مُسَلَّمٍ لهم، فمعظم الصحابة ولا سيما المعروفون بالرواية كانوا
(١) " التوضيح على التلويح ": ج ٢ ص ٤٣٤، ٤٣٥. طبعة استامبول.