وأما حديث:«إِنَّ أَشَدَّ أُمَّتِي حُبًّا لِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، يَعْلَمُونَ بِمَا فِي الوَرَقِ المُعَلَّقِ» - يعني المصحف - فرواية الواقدي وهو متهم بالكذب وابن أبي سبرة وهو وَضَّاعٌ، فإذا كان هذا حاله فلا يصح الاحتجاج به، ويكون أبو هريرة بريء من عهدته، وبذلك ينهار كل ما رتبه على الحديث من دعاوى زائفة.
وأما حديث:«أُصِبْتُ بِثَلاَثِ مُصِيبَاتٍ» وهو حديث المزود الذي تهكم به أبو رية ما شاء له هواه أن يتهكم فالذي استنكره منه قصة المزود وما أودعه اللهُ في تمره القليل من البركة بفضل مَسِّ النَّبِيِّ له ودعائه بالبركة فيه، وقد رويت هذه القصة من طرق عدة خرجها الإمام أحمد والبيهقي، وليس في القصة ما يستنكر إِلاَّ من ذوي العقول الضيقة، والقلوب المظلمة، وقد تواردت الأحاديث النبوية على إثبات الكثير من المعجزات الحسية لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل البركة في الطعام القليل والماء القليل والتمر القليل، وإذا أردت اليقين في هذا فلترجع إلى " الصحيحين " وغيرهما من كتب السنن المعتمدة وكتب السير والتواريخ، وبحسبك أن ترجع إلى " صحيح البخاري "، فقد ذكر في ذلك كتابًا حافلاً من " صحيحه "، أو إلى " دلائل النبوة " للبيهقي، أو إلى كتاب " البداية والنهاية " للحافظ ابن كثير، فقد ذكر في ذلك جملة كبيرة (١).
وماذا نفعل لأَبِي رَيَّةَ وأمثاله إذا كانت نفوسهم أخلدت إلى الأرض واتبعوا أهواءهم، وَلَمْ تَسْمُ عُقُولُهُمْ إلى ما وراء الحس والمادة؟
وأما الأحاديث التي زعم - كَذِبًا - أن أبا هريرة وضعها في فضل معاوية فهي أحاديث موضوعة، كما نَبَّهَ على ذلك جهابذة الحديث، وقد بين الأئمة الواضع لكل حديث من رواته، ولم يقل أحد قط إن لأبي هريرة ضِلْعًا في هذا.