٤ - أنَّ التدوين للأحاديث بدأ بصفة عامة ورسمية على رأس المائة الأولى، وبلغ منتهاه في نهاية القرن الثالث، وأنَّ بعض الصحابة والتابعين كانوا يُدَوِّنُونَ الأحاديث في القرن الأول الهجري ولا سيما بعد وفاة النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
٥ - أنَّ الرواية بالمعنى إنما ترخص فيها من ترخص في غير الكتب المدونة، أما فيها فلا كما قدمنا.
٧ - أنَّ الذين نقلوا الأحاديث من الصحابة ومن بعدهم من ثقات الرُوَاةِ كان لهم من الخصائص الدينية والنفسية والخلقية ما يعصمهم من التغيير والتبديل والتساهل في الرواية وإنكار ذلك مكابرة.
٨ - أنَّ القواعد التي أخذ جامعو الأحاديث بها أنفسهم عند تدوينها هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد، في تمييز المقبول من المردود من المرويات، والحق من الباطل، والخطأ من الصواب.
هذه المقدمات والحقائق تسلمنا إلى نتيجة صادقة وهي: أنَّ الكثير من الأحاديث النبوية وصلت إلينا بمحكم لفظها، وأنَّ بعض الأحاديث قد رويت بالمعنى مع التحرز البالغ من التغيير المخل بالمعنى الأصلي، وأنَّ ما عسى أنْ يكون قد دخل الأحاديث بسبب الرواية بالمعنى شيء يسير قد تنبه له العلماء وَبَيَّنُوهُ وصدق المُبَلِّغُ عن رب العالمين حيث يقول:«يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
في [ص ٨١، ٨٢] نقل المؤلف بالهامش كلاماً عن " دائرة المعارف الإسلامية " في وضع الأحاديث جاء في آخره «وعلى هذا لا يمكن أنْ نَعُدَّ للكثرة من الأحاديث وصفاً تاريخياً لِسُنَّةِ النَّبِي، بل هي على عكس ذلك تمثل آراء اعتنقها بعض أصحاب النفوذ في القرون الأولى بعد وفاة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونسبت إليه عند ذلك فقط، ومعنى ذلك أنَّ أكثر الأحاديث من آثار الوضع» وقد مر على هذا الكلام دون أنْ يُعَلِّقَ عليه بكلمة، ومعنى هذا أنه يرتضيه، بل ما ذكره في كتابه هو ترديد لهذا المعنى.