بله ما سَوَّغَهُ من قبول المَلْحُونِ منها - لما كان الأمر قد جرى على ذلك، فقد نشأ من أثر ذلك كله - ولا جرم وبخاصة بسبب نقل الحديث بالمعنى - ضرر عظيم» وبحسبنا ما قدمت في رَدِّ هذا التَجَنِّي على المُحَدِّثِينَ.
من [ص ٧٥ - ٧٩] عرض للحن والخطأ في الحديث، والتقديم والتأخير فيه والزيادة والنقص منه، ورواية بعض الحديث واختصار بأسلوب تهكُّمي، وطريقته في سرد الأقوال تظهر المُحَدِّثِينَ بمظهر المتساهلين، ثم ذكر عنواناً بالخط العريض فقال:«تساهلهم - أي المُحَدِّثِينَ - فيما يروى في الفضائل وضرر ذلك».
وهو يوهم من لا يعلم أنَّ المُحَدِّثِينَ جميعاً على هذا، مع أنَّ كثيراً من الأئمة كالبخاري ومسلم وابن خزيمة قد جَرَّدُوا كتبهم للصحاح، وَتَحرَّوْا غاية التَحَرِّي في ذكر أحاديث الفضائل، وأيضاً فالمُحَدِّثُونَ لم يأخذوا بالأحاديث الضعيفة في باب الفضائل إِلاَّ بشروط فصلها أهل الفن والتحقيق فإرسال القول على عواهنه - كما صنع المؤلف - ليس من الأمانة العلميَّة في عرض الآراء، وهو إلى التدليس والتلبيس أقرب منه إلى التوضيح والتبيين، وبحسبك أيها القارئ الطالب للحقيقة أنْ تراجع هذه المباحث التي استعرضها بغير أمانة في كتب أصول الحديث لترى إلى أي حَدٍّ حاول المؤلف التشنيع والتشهير بالمُحَدِّثِينَ، وأقرب هذه الكتب وأحدثها كتاب " توجيه النظر " للعلامة الشيخ طاهر الجزائري.
«وبعد»: فلكي تزداد أيها الطالب للحقيقة علماً بوصول السُنَنِ والأحاديث الثابتة من غير تحريف ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان، أضع بين يديك هذه المقدمات والحقائق المستخلصة مِمَّا قدمنا:
١ - أنَّ الرواية بالمعنى قد منعها الكثيرون من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من رُوَاةِ الحديث والتزموا أداء الأحاديث بألفاظها.
٢ - أنَّ الرواية بالمعنى قد أجازها العلماء لمن كان عالماً عارفاً بالألفاظ والأساليب خبيراً بمدلولاتها والفروق الدقيقة بينها.
٣ - أنَّ الذين أجازوها على أنها رُخْْصَة تقدر بقدر الحاجة إليها لا على أنها أصل يتبع ويلتزم في الرواية.