ومهما يكن من شيء فليس في رَدِّ بعض الحنفية بعض مرويات أبي هريرة كحديث المصراة ما يطعن في روايته ولا ما يخل بعدالته، وأعتقد أن القارئ ليس في شك من هذا بعد هذا البيان الشافي، وليس أدل على أنهم لا يتهمونه ولا يطعنون في عدالته من أخذهم بكثير من مروياته كما تشهد بذلك كتبهم وهو أمر معروف مُسَلَّمٌ، قال الحافظ في " الفتح ": وَقَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيفَةُ القِيَاسَ الجَلِيَّ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمْثَالِهِ كَمَا فِي الوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمِنَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْر ذَلِكَ» وأما ما ذكره عن النَّخَعِيِّ قال: «كَانَ أَصْحَابُنَا يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ» فلعل مراده - إِنْ صَحَّ - ما خالف من مروياته القِيَاسَ الجَلِيَّ كما هو مذهب الحنفية، وأما ما رواه عن أبي جعفر الإسكافي فلا يخرج عما نقله عن النظام وشيعته وكذلك ما ذكره عن صاحب " المثل السائر "، وعن تنازعهم في مسألة المصراة في مجلس الرشيد وأنه وافق من قال: أبو هريرة متهم في روايته، فكلام لا سند له ولا عزو، ومثل هذا لا نلقي به بالا ولعله من الافتراءات التي ألصقت بالرشيد - وما أكثرها -.
وبعد كل هذا لم يجد المؤلف بدا من أن يستعلن بعد المداجاة والاستخفاء ويكشف لنا عن مصدره الذي أورده المهالك فينقل في ص ١٧١ ما قاله: جولدتسيهر المستشرق اليهودي في أبي هريرة، والوقوف من أحاديثه موقف الحذر، ورمى «شبرنجر» له بأنه «المتطرف في الاختلاق ورعا» .... إلى آخر ما قال.