لأن الأصل عدم التبديل لا سيما والتشديد في ضبط الألفاظ والتحري في نقلها بأعيانها مِمَّا شاع بين الرواة، والقائلون منهم بجواز الرواية بالمعنى معترفون بأنها خلاف الأولى، وغلبة الظن كافية في مثل تلك الأحكام بل في الأحكام الشرعية، فلا يؤثر فيها الاحتمال المخالف للظاهر، وبأن الخلاف في جواز النقل بالمعنى في غير ما دُوِّنَ في الكتب، أما ما دُوِّنَ فلا كما قال ابن الصلاح، وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية، وحين كان كلام أولئك على تقدير تبديلهم يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذ تبديل لفظ يحتج به بآخر كذلك، ثم دون ذلك البدل، ومنع من تغييره ونقله بالمعنى فبقي حُجَّةً في بابه صحيحة» ومثل ذلك ذكره في " شرح التسهيل ".
ومن ثم يَتَبَيَّنُ لنا دقة نظر المحتجين بالأحاديث على القواعد وأنهم كثرة لا قلة كما سمعت، وليس بعد ما ذكره البدر الدماميني وما حكاه عن شيخه ابن خلدون كلام لقائل أو حُجَّة لمحتج
ولعلك - أيها القارئ - قد آمنت معي أن المؤلف لم يكن أمينًا في البحث، وأنه أوهم القارئ أنه ليس هناك من يحتج بالأحاديث غير ابن خروف وابن مالك ولبس عليه ودلس، وها أنت قد ظهرت لك الحقيقة سافرة، وزال الشك، وبرح الخفاء، وكن على ذكر مِمَّا قدمته لك في مبحث الرواية بالمعنى تَزْدَدْ يَقِينًا بأن الرواية بالمعنى كانت رُخْْصَةً عند الضرورة، وأن الأصل في الرواية إنما هو باللفظ، وأنها لم تكن لها أضرار دينية ولغوية كما زعم المؤلف وهول فيه.
في [ص ٢٥٩] عرض لرأي الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في أنه لا يأخذ بحديث الآحاد مهما بلغت درجته من الصحة في نظر المُحَدِّثِينَ إذا خالف العقل أو القرآن أو العلم، وأنه أنكر لذلك حديث سحر لبيد بن الأعصم لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعتمد في هذا على:
[١] أن الحديث آحادي فلا يؤخذ به في العقائد وعصمة النَّبِيِّ من تأثير السحر