ما ذهب إليه علماء مذهبهم - ولو كان من المُتَأَخِّرِينَ - أو يعارضون الحديث بحديث آخر ولو كان غير معروف عند أئمة الحديث .... إلخ ما نقله على كتاب " توجيه النظر ".
ومن الحق أَنْ نقول:
إن هذا الكلام فيه جانب حق وجانب باطل، أما جانب الحق فهو أن بعض متأخري الفُقَهَاءِ قد يحملهم لمذاهبهم على هذا أو شيء منه ونحن لا ننكر أن في أي طائفة - مهما كانت - الحَسَنُ والرَدِيءُ والجامد والمرن.
أما جانب الباطل فهو التعميم وإيهام القارئ أن الفُقَهَاءَ كلهم على هذا والحق أن فِي الفُقَهَاءِ كثيرين لم يخضعوا إِلاَّ للدليل وإني لأجد في بعض كتب المذاهب ترجيحًا لغير مذهبهم إذا كان دليله قَوِيًّا ثم إنه مِمَّا ينبغي أن يعلم أن الفُقَهَاءَ المُتَقَدِّمِينَ كأصحاب المذاهب وتلامذتهم لم يكونوا متعصبين ولا متعنتين وإنما يتبعون الدليل، وليس أدل على هذا من أنهم كانوا يأخذ بعضهم عن بعض، وأنه صح عن كل واحد من الأئمة الأربعة - كما ذكره الشاطبي في " موافقاته " - أنه كان يقول:«إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عَرْضَ الحَائِطِ» وكثيرًا ما نجد في مذهبي الصاحبين - أبي يوسف ومحمد - ما يخالف قول أستاذهما وإمامهما أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -، وقد رجع أبو يوسف في مسائل عن مذهب إمامه لما ناظره الإمام وظهر له أن الحق معه، وكذلك فعل الإمام محمد لما تتلمذ على الإمام مالك في الحجاز واطلع على أحاديث وروايات لم يطلع عليها في العراق وهذا غاية التسامح ورحابة الصدر في الاجتهاد والبحث.
والشأن في المؤلف الذي ينشد الحق أن يلتزم جادة الإنصاف لا أن يجعل من نفسه منتصرًا لطائفة ومعاديا للأخرى وأن يصدر أحكامه من غير مجازفة وإسراف وإلا فليدع التأليف لأهله.