[٢] أنه أفاض في بيان وجهة نظر الذين لا يَحْتَجُّونَ بالأحاديث على إثبات القواعد النحوية واللغوية، وغرضه من هذا بيان ضرر الرواية بالمعنى وأنها التي حَدَتْ بعلماء اللغة والنحو إلى عدم الاستشهاد بالأحاديث.
وكانت الأمانة العلمية تُحَتِّمُ عليه أن يعرض لبيان وجهة نظر القائلين بالاحتجاج بالأحاديث على القواعد النحوية والصرفية ولا سيما ومنهم إمام جليل هو ابن مالك صاحب " الألفية " المشهورة ثم ذلك بعد ما يرجح ما يراه ولكنه التزم رَأْيًا وتعصب وأكثر من النقول عن أصحابه، وليس هذا من شيمة الباحث المُنْصِفِ النَّزِيهِ.
وأحب أن يعلم القارئ أن المسألة لم يقطع فيها برأي واحد، ولئن كان هناك من منع الاحتجاج بألفاظ الأحاديث في تحقيق الألفاظ وتقرير القواعد فهناك غيرهم أئمة كبار يرون الاحتجاج بالأحاديث النحوية واللغوية وَمِمَّنْ عرف بهذا المذهب العَلاَّمَةُ ابن مالك المُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٧٢ هـ، وَالعَلاَّمَةُ ابن هشام المُتَوَفَّى سَنَةَ ٧٦١ هـ والذي قال فيه حكيم العرب ابن خلدون قولته المشهورة «مَازِلْنَا وَنَحْنُ بِالمَغْرِبِ نَسْمَعُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِمِصْرَ عَالِمٌ بِالعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ هِشَامٍ أَنْحَى مِنْ سِيبَوَيْهْ» وَمِمَّنْ انتصر لهذا المذهب البدر الدماميني في " شرحه للتسهيل "، والعلامة ابن الطيب في شرحه لكتاب " الاقتراح " ولشرحه لـ " كفاية المتحفظ " وعد من أصحاب هذا المذهب الجوهري، وابن سيده، وابن فارس، وابن خروف، وابن جِنِّى والسهيلي حتى قال: «لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ العَرَبِيَّةِ خَالَفَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ إِلاَّ مَا أَبْدَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي شَرْحِهِ لِ " التَّسْهِيلِ " وَأَبُو الحَسَنِ الصَّانِعِ فِي شَرْحِهِ " الجُمَلَ».
وإليك ما قاله البدر الدماميني وما حكاه عن شيخه ابن خلدون في الرَدِّ على من يمنعون الاستشهاد بالحديث، قال في " حواشيه على المغني ": «أسقط أبو حيان الاستدلال على الأحكام النحوية بالأحاديث النبوية باحتمال رواية من لا يوثق بعربيته إياها بالمعنى، وكثيرًا ما يعترض على ابن مالك في استدلاله بها ورده شيخنا ابن خلدون بأنها على تسليم أنها لا تفيد القطع بالأحكام النحوية تفيد غلبة الظن بها،