إن أحاديث المهدي المنتظر اختلفت فيها أنظار العلماء من قديم الزمان، فمنهم مَنْ ضَعَّفَهَا وَرَدَّهَا كابن خلدون في " مقدمته "، ومنهم
من صَحَّحَهَا كالحافظ السيوطي، وابن حجر الهيثمي، بل ذهب بعض أئمة الحديث إلى تواترها ومن هؤلاء القاضي المجتهد المُحَدِّثُ الشوكاني، فَإِنَّ له في ذلك رسالة، ونحن نعلم أن الشوكاني كان حُرَّ الرَّأْيِ والتفكير ويقول ما يقتنع به عن دليل ولو جر ذلك عليه صنوف البلاء، وما دامت المسألة محل اختلاف وتتجاذبها الأدلة، فما كان ينبغي للمؤلف أن يهول من شأنها، وأن يتخذ منها وسيلة للطعن في السُنَّةِ، والإزراء برجالها، ولو أنه كان من أهل الاجتهاد والعلم بالرجال والنقد لقلنا: رأي له رآه، أما وهو متابع لغيره، وإمعة في رأيه، فما كان الأمر يستحق كل هذه الطنطنة وكل هذا التهويل.
وَمِمَّا ينبغي أن يعلم أن الأحاديث التي تعرضت للمهدي منها الثابت ومنها غير الثابت، ومنها الضعيف ومنها الموضوع.
أَحَادِيثُ الخُلَفَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ:
في [ص ٢١٠] عرض لأحاديث الخلفاء الاثني عشر وذكر في ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما من أهل الحديث وقد اعتمد في سرد الأحاديث التي ذكرها على " فتح الباري " للحافظ ابن حجر، وذكر فيما ذكر حديث " الطبراني " عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديثًا موقوفًا على كعب، ثم قال: وعلى أن هذه الأحاديث قد جعلت الخلفاء اثني عشر فقد رَوَوْا حَدِيثًا يعارض هذه الأحاديث جميعًا، وهو حديث سَفِينَةَ الذي خرجه أصحاب السنن، وَصَحَّحَهُ ابن حبان وغيره «الخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا» ثم أراد أن يوهم القارئ أن العلماء الكبار على أن الحديثين متعارضان تعارضًا يذهب الثقة بهما وبرواتهما فذكر كلاما للإمام القاضي عياض، وللإمام أبي الفرج بن الجوزي.
وللجواب عن ذلك نقول:
١ - إن المؤلف اعتمد فيما نقله على " فتح الباري " إِلاَّ أنه - كما هو شأنه