كل حديث موضوع روي عن صحابي أو تابعي يكون من وضع هذا الصحابي أو التابعي، وهذا إِنْ دَلَّ على شيء فإنما يدل على ضحولة في البحث وسطحية في العلم وقصر في النظر، وقد استولى هذا الوهم على المؤلف فمن ثم ألصق الكثير من الأحاديث الموضوعة بأبي هريرة وغيره من الصحابة وزعم أنها من اختلاقهم، وفي الحق أن الصحابة بُرَءَاءُ من هذه الأحاديث الموضوعة، وأن الاختلاق والوضع إنما جاء من بعدهم. وقد قَيَّضَ اللهُ لهذه الموضوعات من هذه جهابذة الحديث وصيارفته مَنْ نَبَّهَ إلى زيف هذه الأحاديث وأبان عن عِلَّتِهَا، ولما قيل لسفيان هذه الأحاديث الموضوعة فقال:«تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ».
ومثل هذا الوهم ما توهمه حينما عرض لكعب الأحبار، فقد جعل كل ما رُوِيَ عنه من وضعه واختلاقه مع أن هذا ليس بلازم، فقد يكون الوضع مِمَّنْ جاء بعده من الوَضَّاعِينَ، ومن ثم وقع المؤلف في أخطاء كثيرة وجانبه الحق والصواب في جل ما كتب.
زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَلِّسٌ:
في [ص ١٦٤] ذكر اَيْضًا أن أبا هريرة كان يدلس ثم شرح معنى التدليس وحكمه ... الخ ما قال.
والجواب:
إن الكثرة الكاثرة من العلماء على خلاف هذا، وأن أبا هريرة بريء من وصمة التدليس بجميع أنواعه، وإنما قال هذا فئة قليلة جِدًّا منهم شُعْبَةُ والذين ذهبوا إلى هذا لم يريدوا التدليس بالمعنى المعروف عند المُحَدِّثِينَ (١)، وهو المذموم، وإنما
(١) التدليس عند المُحَدِّثِينَ أنْ يروي عَمَّنْ لقيه ما لم يسمعه منه، أو عَمَّنْ عاصره ولم يلقه مالم يسمعه منه مُوهِماً أنه سمعه منه، والتدليس أنواع، وأقبح أنواعه: تدليس التسوية، وهو أَنْ يكون في السند ضعاف وأقوياء، فيحذف الضعاف ويبقى الأقوياء، فيظن من لا يعرف أنه من رواية هؤلاء الثقات، وبعض العلماء يَرُدُّ حديث المدلس مطلقاً، وبعضهم لا يقبل حديثه إِلاَّ إذا صَرَّحَ بالسماع عَمَّنْ روى عنه، وكان شُعْبَةُ أَشَدَّ العلماء إنكاراً له، حتى لقد رُوِيَ عنه أنه قال: «لأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ».