وإنْ أخذوا عليه فيه أنه يتساهل في الحُكْم بالوضع أحياناً.
فلو أنه كان يرى في كعب ما رأى المؤلف وأمثاله من أنه كان وَضَّاعاً دَسَّاساً لما تَرَدَّدَ في تجريحه، ولما حمل كلمة معاوية على هذا المحمل الحسن ولا سيما وقد كان لسانه حاداً على الوَضَّاعِينَ كما يَتَبَيَّن ذلك جَلِيًّا لمن راجع مقدمة كتابه المذكور، فمن ثم يَتَبَيَّنُ لنا بعد ما سمعنا من مقالة العلماء في كعب أنه لم يكن وَضَّاعاً ولا مُتَعَمِّداً للكذب، وأنه إنْ كانت وقعت في بعض مروياته إسرائيليات مكذوبة أو خرافات، فذلك إنما يرجع إلى من نقل عنهم من أهل الكتاب السابقين الذين بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا، وإلى بعض الكتب القديمة التي ملئت بالخرافات والإسرائيليات، ولو أنه تَحَرَّى الحق والصدق وَمَيَّزَ بين الغث والسمين من هذه المنقولات لكان أولى به وأجمل.
وأما وهب بن منبه فهو من خيار التابعين وثقاتهم، ولم نعلم أحداً طعن فيه بأنه وَضَّاعٌ وَدَسَّاسٌ إِلاَّ المؤلف.
والباحث المُتَثَبِّتُ والناقد البصير لا ينكر أنَّ الكثير من الإسرائيليات دخلت في الإسلام عن طريق أهل الكتاب الذين أسلموا، وأنهم نقلوها بحسن نِيَّةٍ، وكذلك لا ينكر أثرها السيئ في كتب العلوم وأفكار العوام من المسلمين، وما جرته على الإسلام من طعون أعدائه ظناً منهم أنها منه والإسلام منها براء، ولكن الذي لا يسلم به الباحث أنْ يكون كعب ووهب وأضرابهما مِمَّنْ أسلموا وَحَسُنَ إسلامهم كان غرضهم الدَسَّ والاختلاق والإفساد في الدين، ولقد كان من لطف الله بالأمَّة الإسلامية أنَّ هذه الإسرائيليات إنما كانت في قصص الأنبياء والأمم السابقة، وأحوال البدء والمعاد وأسرار الخليقة، إلى غير ذلك مِمَّا لا يتعلق بالحلال والحرام والعقائد إِلاَّ بعضاً منها مِمَّا ينافي عصمة الأنبياء فإنه يدرك كذبه وبطلانه بادئ الرأي.
وابن خلدون لما عرض في " مقدمته " لما دخل في التفسير بالمأثور من الإسرائيليات لم يرم مسلمة أهل الكتاب بِالدَسِّ والوضع - كما صنع المؤلف - وإنما جعلهم مصدراً لنقل هذه الإسرائيليات إلى العرب، وهذا شأن الباحث المُنْصِف لا