للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطاعن المتحامل (١).

نَقْدُ المُحَدِّثِينَ لِلإِسْرَائِيلِيَّاتِ:

ولقد كان لجهابذة الحديث ونقاده جهاد مشكور في الكشف عن هذه الإسرائيليات وتمييز صحيحها من باطلها، وَغَثِّهَا من ثمينها، وما من رواية من روايات كعب وغيره إِلاَّ ونقدوها نقداً علمياً نزيهاً، ولولا هذا الجهاد الرائع من علماء المسلمين لكانت طامَّة على الإسلام والمسلمين، ولقد بلغ من تَحَوُّطِ أئمة الحديث البالغ الغاية أنهم قالوا: أنَّ قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه إنما يكون له حكم الرفع إذا لم يكن معروفا بالأخذ عن علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، فأما إذا كان معروفا بالأخذ عنهم فلا، لجواز أنْ يكون من الإسرائيليات، وهو تحوط يدل على أصالة في النقد وَبُعْدِ نظر محمود من المُحَدِّثِينَ.

وَأُحِبُّ أنْ يعلم القارئ الكريم أني كتبت بحثاً مستفيضاً نشر على صفحات " مجلة الأزهر " تحت عنوان «الدخيل وكتب التفسير» أمطت فيها اللثام عن كثير من الإسرائيليات والخرافات التي ألصقت بالإسلام (٢).

مَنْهَجُ أَبِي رَيَّةَ فِي البَحْثِ غَيْرُ عِلْمِيٍّ:

إنَّ المؤلف جرى في بحثه في الإسرائيليات على أنَّ كل ما روي عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما مختلق مكذوب، وأنَّ مروياتهم ليس فيها صدق ولا حق، حتى ولو كان في شريعتنا ما يؤيد هذا المروي ويصدقه.

وهو إسراف في الحُكْم وَتَجَنٍ على الحق والواقع، والعلماء المُحَقِّقُونَ المُتَثَبِّتُونَ على أنَّ ما روي عن أهل الكتاب الذين أسلموا منه ما هو حق وصدق، ومنه ما هو باطل وكذب، ومنه ما هو محتمل لهما، فهذا هو الإمام ابن تيمية - وهو زعيم مدرسة جمعت إلى حفظ الحديث والبراعة فيه والفقاهة في الدين وجودة الفهم وأصالة النقد - يقسم أخبار مسلمة أهل الكتاب إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحته مِمَّا بأيدينا مِمَّا يشهد له بالصدق فذلك صحيح.


(١) " مقدمة ابن خلدون ": ص ٣٦٨.
(٢) " مجلة الأزهر " في عامي ٧٣، ٧٤ هـ.

<<  <   >  >>