فئة من العلماء غير المسلمين إلى البحث فيها وقضاء الأعمار في العناية بها.
وإنْ أراد علماء الأخلاق والمواعظ، فقد جعلوا الأحاديث النبوية نَبْعاً فَيَّاضًا لما أَلَّفُوهُ من الكتب فيهما، وكذلك علماء البلاغة والأدب فقد أكثروا من الاستشهاد بالأحاديث في كتبهم، وعنوا بها من حيث اختصاصهم، وأَلَّفَ بعضهم في ذلك كُتُباً تكشف عَمَّا في الأحاديث من جمال فني وأدبي، كما فعل الإمام الشريف في كتابه " المجازات النبوية "، والمرحوم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتابه " البلاغة النبوية " الذي جعله مُتَمِمَّا لكتابه " إعجاز القرآن ".
ثم ماذا كان يريد المؤلف من العلماء غير المُحَدِّثِينَ والأدباء؟ أكان يريد منهم أنْ يُجَاوِزُوا طورهم - كما جاوز طوره - فَيَدُسُّوا أنوفهم فيما ليس من صناعتهم ويُمَيِّزُوا بين الصحيح والضعيف والمقبول والمردود والغث والسمين؟.
إنَّ علماء الأدب وأضرابهم مِمَّنْ ليسوا من رجال الحديث وصيارفته أكرم على أنفسهم مِنْ أَنْ يقفوا ما ليس لهم به علم، وأنْ يَزُجُّوا بأنفسهم في علوم ومعارف ليسوا أهلاً لها.
٢ - محاولة المؤلف هنا وفي غير موضع من كتابه الإزراء بالمُحَدِّثِينَ وغمزهم ولمزهم ورميهم بالجمود لن يُقَلِّلَ من أقدارهم ولن ترفع من شأنه، بل هي عند الباحثين والعَالِمِينَ مِمَّا يزري بالنقد ويلحقه بالشتيمة والسباب، وإنَّ ما وضعه المُحَدِّثُونَ من قواعد لنقد الراوي والمروي هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في القديم والحديث، والمُتَأَخِّرُونَ لم يأتوا في ذلك بأمر جديد ذي خطر، اللَّهُمَّ إِلاَّ في الاستفادة بما جَدَّ من المعارف النفسية والتوسُّع في التطبيق، ولو أنصف المؤلف لعقد مقارنة بين قواعد المُحَدِّثِينَ وقواعد غيرهم مِمَّنْ يرتضيهم، ثم خلص من ذلك إلى نتيجة صادقة، أمَّا وقد رمى بها قولة مُجْمَلَة من غير بُرهان فبحسبنا في الرَدِّ عليه هذا الإجمال، وعندما أتعرَّض لمَبْحَثَيْ العدالة والضبط سأفصل فيهما القول، كي يتَّضح أنَّ قواعد المُحَدِّثِينَ ليست جامدة ولا قاصرة.
لا أدري كيف سَوَّلَتْ للمؤلف نفسه أنْ يزعم أنَّ المُحَدِّثِينَ حصروا عنايتهم في السند دون المتن الخ؟! وكيف يتَّفق هذا وما ذهبوا إليه من الحُكْمِ على متن الحديث بالشذوذ والنكارة والاضطراب والتعليل والوضع والاختلاق، وما وضعوه من