قال في [ص ١٠]: «ولو أنَّ الحديث دُوِّنَ في عصر النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما دُوِّنَ القرآن واتَّخذ له من وسائل التَحَرِّي والدقَّة ما اتَّخذ للقرآن لجاء كله متواترا كذلك، ولما اختلف المسلمون فيه هذا الاختلاف الشديد»، إلى آخر ما قال.
وكأنَّ المؤلف فهم أنَّ السبب في تواتر القرآن كونه كتب في العصر النبوي، والحق خلاف ذلك فالتواتر، إنما جاء في القرآن الكريم من جهة لفظه ونقله، فقد تلقاه عن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحَفِظَهُ الألوف من الصحابة، وعن هؤلاء أخذ الألوف المؤلَّفة من التابعين، وهكذا تلقاه العدد الكثير الذين يثبت بهم التواتر عن العدد الكثير حتى وصل إلينا متواتراً، وسيستمر كذلك حتى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها، فالمُعَوَّلُ عليه في تواتر القرآن هو الحفظ والتلقي الشفاهي لا الأخذ من الصحف، أما الكتابة فقد كانت من دواعي الثبوت والحفظ ليجتمع للقرآن الوجودان: الوجود في الصدور، والوجود في الصحائف والسطور، كما كانت معتمد الجامعين للقرآن في الصحف والمصاحف في عهدي أبي بكر وعثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فقد كانوا حريصين أنْ يكتبوه من عين ما كُتِبَ بين يدي النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو أنَّ السُنَّة دُوِّنَتْ في العهد النبوي، ولكن لم يحفظها من يقوم بهم التواتر لما جاءت كلها متواترة - كما زعم - (١)، فالعبرة في التواتر وعدمه إنما هو رواية الكثيرين أو عدم روايتهم، ومع أنَّ السُنَّة لم تُدَوَّنْ في العصر النبوي فقد جاء بعضها متواتراً، وإنْ كان قليلاً، ولو أنَّ المُعَوَّلُ عليه في التواتر الكتابة لكانت الكتب التي دُوِّنَتْ وأحيطت بالعناية والدقة كلها متواترة وأنى هي؟.
ذكر في [ص ١٧]: «أنهم جعلوا السُنَّة القولية في الدرجة الثانية أو الدرجة الثالثة من الدين، وأنها تلي القرآن في المرتبة»، وبعد أسطر قال:«وأما الذي هو في الدرجة الثانية من الدين فهو السُنَّة العمليَّة»، ومفهومه أن السُنَّة القولية ليست في الدرجة الثانية.
(١) عَرَّف العلماء المتواتر بأنه ما رواه جمع يحيل العقل تواطؤهم على كذب، وقالوا: أنه يفيد العلم اليقيني، والآحاد ما ليس كذلك.