سلف له فيما افتجره وافتراه إِلاَّ النَظَّامُ ومن على شاكلته من المُبَشِّرِينَ والمُسْتَشْرِقِينَ، فهو لم يزد عن كونه بُوقًا يُرَدِّدُ كلام الطاعنين من غير أن يحتكم إلى قواعد البحث المستقيم والنقد النزيه.
في [ص ١٦٤] قال: إنه يعني أبا هريرة كان يسوغ كثرة الرواية عن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما دام لا يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً، وأنه أيد صنيعه هذا بأحاديث رفعها إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر جملة من الأحاديث، منها ما هو غير موضوع وذلك مثل حديث:«إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلاَلاً، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ» ومنها ما هو موضوع وذلك مثل حديث «إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الْحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أُحَدِّثْ».
وللجواب عن ذلك نقول:
[أ] إنَّ حديث «إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا» ليس بموضوع كما بَيَّنْتُ ذلك سابقًا وأيضًا فالحديث ليس مَرْوِيًّا عن أبي هريرة، وإنما هو عن عبد الله بن أكيمة الليثي، والمؤلف نفسه نقل عن كتاب " توجيه النظر " أنه من رواية عبد الله هذا وذكر هذا في كتابه [ص ٥٦] ولا أدري لِمَ عَدَلَ المؤلف عما نقله أولاً وهو الصحيح إلى غير الصحيح وهو أنه من رواية أبي هريرة؟ ولا أعلم سَبَبًا لذلك إِلاَّ أنه يكتب ما يكتب وهو غير متثبت، وأن تحامله على أبي هريرة أعماه عن الحق وأوقعه في الباطل، والحق أبلج والباطل لجلج.
أما الأحاديث التي ذكرها بعد هذا الحديث فهي موضوعة ولا ريب كما قلت آنِفًا.
[ب] إن المؤلف يتوهم أن الحديث ما دام روي عن أبي هريرة وهو موضوع أن يكون واضعه أبو هريرة، وَهُوَ وَاهِمٌ فِي وَهْمِهِ فما من حديث موضوع إِلاَّ وواضعه أسنده إلى الصحابي عن رسول الله، فلو أن ما تَوَهَّمَهُ المؤلف كان صحيحًا لكان