للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَدُّ مَزَاعِمِهِ فِي حَدِيثِ «لاَ عَدْوَى ... »:

٢ - وأما حديث «لا عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ... »

فقد رواه البخاري في " صحيحه " عن أبي هريرة (١) وعن ابن عمر (٢) وعن أنس بن مالك، وثبت اَيْضًا عن عائشة عند الطبري وعن سعد بن أبي وقاص ورواه " مسلم " عن أبي هريرة وعن السائب بن يزيد وعن جابر وعن أنس وعن ابن عمر (٣) فالحديث لم ينفرد به أبو هريرة، بل وافقه عليه بضعة من الصحابة، فاحتمال أن أبا هريرة اختلقه أو غلط فيه - غمز المؤلف ولمز - احتمال بعيد جِدًّا إن لم يكن مستحيلاً، فلم يبق إِلاَّ أن يكون رجوعه إما لنسيان أو لغرض آخر صحيح وعلى تسليم النسيان فيكون من الأحاديث التي سمعها قبل هذه المقالة، وهذا لا ينافي أنه ما نسي شيئًا بعد ذلك، وبذلك يظهر أن لا منافاة بين نسيان هذا الحديث وقصة بسط الثوب، ثم إن هذا النسيان لحديث واحد - على فرض تسليمه - إنما يعود على أبي هريرة بالتكريم والإكبار لحفظه وقد قيل في الحِكَمِ الشِّعْرِِيَّةَ:

وَمَنْ ذَا الذِي تُحْصَى سَجَايَاهُ كُلَّهَا * ... * ... * كَفَى المَرْءِ نُبْلاً أَنْ تَعُدَّ مَعَايِبَهُ

وإنا لنلمس هذا الإكبار لحفظ أبي هريرة في قول أبي سلمة، قال أبو سلمة «فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ» بل جاء في بعض الروايات تردد أبي سلمة بين نسيان أبي هريرة أو نسخ أحد الحديثين للآخر (٤) على أن تسليمنا نسيان أبي هريرة إنما هو على سبيل الاحتمال، ومن الجائز جِدًّا أن يكون رجوعه عنه أو السكوت عليه وعدم التحديث به لغرض آخر شريف ككونه منسوخًا مثلاً، وإليك ما قاله الحافظ الكبير ابن حجر لترى الفرق بين العلماء المُتَثَبِّتِينَ وَالأَدْعِيَاءِ المَغْرُورِينَ قال - تعليقا على قول أبي سلمة «فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ» - «في رواية يونس قَالَ أَبُو سَلَمَة: " وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ يُحَدِّثنَا بِهِ فَمَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَة أَمْ نَسَخَ أَحَدُ القَوْلَيْنِ لِلآخَرِ "، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو سَلَمَة ظَاهِر فِي أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِد أَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَمَامَ التَّعَارُضِ، وَقَدْ


(١) «كتاب الطب»، باب لا هامة.
(٢) «كتاب الطب»، باب لا عدوى.
(٣) " مسلم بشرح النووي ": ج ١٤ ص ٢١٣ - ٢١٨.
(٤) انظر " صحيح البخاري " «كتاب الطب»، باب لا عدوى.

<<  <   >  >>