للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ضوء ما فهمه من قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (١).

اسْتِدْلاَلُهُ بِحَدِيثٍ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ وَوَهْمٌ:

قال: وقال ابن كثير في " تفسيره ": «إن حديث أبي هريرة في يأجوج ومأجوج ونصه كما رواه أحمد عن أبي هريرة: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ ... إلخ» وقد روى أحمد هذا الحديث عن كعب) قال ابن كثير: لعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويُحَدِّثُه.

والجواب:

أن الحديث ذكره ابن كثير في " تفسيره "، وذكر رواية الإمام أحمد ورواية الترمذي وأنه قال: إسناده قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لأحكام بنائه وصلابته وشدته.

قال ابن كثير: ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار ثم ذكر خبرًا آخر قريبًا منه في معناه، وليس هو هو ... إلى أن قال: ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيرًا ما يجالسه وَيُحَدِّثُهُ فَحَدَّثَ به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه (٢)، ومن عجب أن المؤلف لما نقل كلام ابن كثير حذف متعمدًا قوله: «فَتَوَهَّمَ ... » وذلك لأنها ترد عليه فيما زعم وادعى أن أبا هريرة كان يأخذ كلام كعب ويرفعه، فانظروا كيف تكون الأمانة في النقل، وكيف تكون الأساليب الملتوية في البحث.

والذي أميل إليه أن الحديث غير ثابت وأنه منكر كما قال ابن كثير، ويرجح عدم الثبوت أن في سنده قتادة، وهو معروف بالتدليس فلعل البلاء فيه من المحذوف.


(١) [سورة محمد، الآية: ١٥].
(٢) " تفسير ابن كثير ": ج ٥ ص ٣٣٢، ٣٣٣.

<<  <   >  >>