للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلها فرى ظاهرة مكشوفة لم تقم عليها أثارة من علم وقد عرضت في ردي لكل ما ذكره، فكن على ذكر منه، ولا تعجب من هذا فإن أبا رية قد أخذ كلام «جولدتسيهر» ونفخ فيه ما شاء له هواه وجهالته بالحديث أن ينفخ حتى جعل من الحبة قبة، ومن الكذب سرابا يظنه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وقد ظهر لك أبو رية على حقيقته دعي متطاول سليط اللسان، وسارق بارع يسطو على أفكار الناس وآرائهم ويتبجح بها لنفسه.

زَعْمُهُ أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ لَقَّنَ أَبَا هُرَيْرَةَ الأَخْبَارَ المُلَفَّقَةَ المَكْذُوبَةَ:

ذكر في [ص ١٧٢] تحت عنوان «أخذه عن كعب الأحبار» أن علماء الحديث ذكروا في باب رواية الصحابة عن التابعين، أو رواية الأكابر عن الأصاغر: أن أبا هريرة والعبادلة ومعاوية وأنس وغيرهم رووا عن كعب الأحبار الذي أظهر الإسلام خداعا، وطوى قلبه على يهوديته، وأن أبا هريرة أول من انخدع به، وقد استغل كعب سذاجته فاستحوذ عليه ليلقنه كل ما يريد أن يبثه في الدين الإسلامي ولكي يُدَلِّلَ على ما قاله ذكر جملة من الروايات عن أبي هريرة مُبَيِّنًا أنها من الإسرائيليات التي أخذها أبو هريرة عن كعب ومقارنًا بين ما يرويه أبو هريرة، وما يقول كعب في بضع صفحات من كتابه.

وإليك الجواب:

أما ما يتعلق بكعب وأنه كان منافقًا يظهر الإسلام ويبطن اليهودية، فقد قدمت - في فصل سبق - الكلام عن كعب، وإني لَمْ أَرَ أَحَدًا رماه بهذا إِلاَّ ما كان من النَظَّامِ وَالمُسْتَشْرِقِينَ وذيلهم أَبِي رَيَّةَ، وأن علماء الجرح والتعديل لَمْ يُجَرِّحُوهُ على قرب عصرهم من عصره، وعلى ما رزقوا من علم وشفوف نظر في نقد الرجال ومعرفة الخفي من أحوالهم، وليس من العدل تجريح الناس بغير شُهُودٍ وَبَيِّنَةٍ، وأما رواية أبي هريرة وغيره كالعبادلة فليس بأمر جديد، وقد استوفى الإمام العراقي في " شرحه على مقدمة ابن الصلاح " ذكر الذين عرفوا من الصحابة بالرواية عن التابعين، ولسنا ننكر أن فيما روي عن كعب وغيره من علماء أهل الكتاب ما هو كذب في نفسه، وقد حَقَّقْتُ ذلك فيما سبق، ولكن علماء الحديث وَنُقَّادُهُ نقدوا كل هذا

<<  <   >  >>