للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وميزوا بين الصحيح والمعلول، والمقبول والمردود، وما هو موقوف على كعب من معارفه التي اكتسبها من كتب أهل الكتاب، وما وَهِمَ فيه بعض الرواة فرفعه إلى النَّبِيِّ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - بحيث لم يدعوا زيادة لمستزيد ولا تَعْقِيبًا لِمُعَقِّبٍ، والذي ننكره على المؤلف أن يرمي أبا هريرة بأنه غر ساذج، وأن كعبًا استحوذ عليه حتى لقنه الكثير من الإسرائيليات واستبعاده أن يعرف أبو هريرة ما في التوراة وهو أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب ولا أدري كيف غاب عن المؤلف أن العلم لا يتوقف على معرفة القراءة والكتابة، مع أن الكلمة المسموعة لا تقل عن الكلمة المقروءة رُسُوخًا في النفس؟ وماذا يقول المؤلف في بعض الأكفاء في القديم والحديث الذين حصلوا من العلوم والمعارف ما لم يحصله غيرهم من المبصرين القارئين الكاتبين؟ ومن البدهي أن الكفيف لا يقرأ ولا يكتب، ولكن يسمع من الغير.

وهاك ما استشهد به على دعواه من أحاديث والجواب عنها: حديث «الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قال في [ص ١٧٣]: روى البزار عن أبي هريرة أن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ الحَسَنُ: " وَمَا ذَنْبَهُمَا؟ " فَقَالَ: " أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ مَا ذَنْبَهُمَا؟ " وهذا الكلام قد قاله كعب بنصه، فقد روى أبو يعلى الموصلي قال كعب: «يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالقَمَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ يَرَاهُمَا مَنْ عَبَدَهُمَا» وذكر مرجعه " حياة الحيوان " للدميري.

إن حديث البزار عن أبي هريرة ثابت، فقد ذكره الحافظ في " الفتح " (١)، وابن كثير في " تفسيره " (٢) وسكتا عنه، وناهيك بهما ناقدين بصيرين، وقد أخرج معناه الحافظ وأبو يعلى في " مسنده " من طريق يزيد الرقاش عن أنس وسنده فيه ضعف، وأخرجه الطيالسي مختصرًا، والذي أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " عن أبي هريرة مرفوعا ليس فيه أنهما ثوران عقيران ولا أنهما في النار، ولفظه: «الشَّمْسُ وَالقَمَرُ


(١) ج ٦ ص ٢٢٩.
(٢) ج ٩ ص ١٢٠.

<<  <   >  >>