للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن البخاري لم يمت إِلاَّ بعد أن نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب والنقل الذي ذكره الحافظ إنما هو في شأن التراجم التي بيضها البخاري أي ذكرها ولم يذكر فيها حَدِيثًا أو الأحاديث التي ذكرها ولم يذكر لها بَابًا، والنقل الذي ذكره يدل على أن " صحيح البخاري " كان مُدَوَّنًا في أصل محرر قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي: «انْتَسَخْتُ كِتَابَ البُخَارِيَّ مِنْ أَصْلِهِ الذِي كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ مُحَمَّدُ بْنَ يُوسُفَ الفَرْبَرِيِّ فَرَأَيْتُ فِيهِ أَشْيَاءَ لَمْ تَتِمَّ وَأَشْيَاءَ مُبَيَّضَةً مِنْهَا تَرَاجِمُ لَمْ يُثْبِتْ بَعْدَهَا شَيْئًا وَمِنْهَا أَحَادِيثَ لَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا فَأَضَفْنَا بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ».

وليس أدل على أن البخاري لم يمت إِلاَّ بعد أن حرر كتابه وعرضه على أئمة الحديث مِمَّا قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي قال: «لَمَّا أَلَّفَ البُخَارِيُّ كِتَابَ الصَّحِيحِ عَرَضَهُ عَلَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَعَلِيٍّ بْنَ المَدِينِيِّ وَغَيْرِهِمْ فَاسْتَحْسَنُوهُ وَشَهِدُوا لَهُ بِالصِحَّةِ إِلاَّ فِي أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ». قال العقيلي: «وَالقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ البُخَارِيُّ وَهِيَ صَحِيحَةٌ». وروي عن الفَرْبَرِيِّ أنه قال: قال البخاري: «مَا كَتَبْتُ فِي كِتَابِ الصَّحِيحِ حَدِيثًا إِلاَّ اِغْتَسَلْتُ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ» وذلك كي يجتمع له الاطمئنان القلبي والاستلهام الروحي إلى الاجتهاد العلمي والبحث العقلي، وليس أدل على ما بذله من جهد وتنقيح وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية الصحة من قوله: «جَمَعْتُ كِتَابِي هَذَا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ» وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إِلاَّ بعد أن حَدَّثَ بصحيحه الكثيرين من تلاميذه وأنهم تسابقوا في كتابة أصله الذي بالغ في التحري في جمع أحاديثه حتى وصل إلينا كما تركه.

ذِكْرُهُ لاِخْتِلاَفِ أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

في [ص ٢٧٦] ذكر كَلاَمًا عن الأستاذ أحمد أمين وخلاصته اختلاف علماء الجرح والتعديل اختلافًا بَيِّنًا في قواعد الجرح والتعديل وأسبابهما وأن بعضهم تشدد فلم يرو أحاديث من اتصل بالولاة وأن بعضهم تزمت فرد أحاديث الرجل لمزحة مزحها وأنهم اختلفوا تَبَعًا لذلك في الحُكْمِ على الأشخاص اختلافًا كثيرًا وَمَثَّلَ لذلك بعكرمة مولى ابن عباس فقد ملأ الدنيا حديثًا وتفسيرًا ومع هذا رماه بعضهم بالكذب وبأنه يرى رأي الخوارج وبأنه يقبل جوائز الأمراء وَرَوَوْا عن كذبه شيئًا كثيرًا ... إلى

<<  <   >  >>