للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإني لأقول:

إنَّ هذا القول فيه إسراف وشطط في الحُكْم فليست الكثرة من الأحاديث من آثار التطور في الإسلام، وأنها لا تمثل الواقع في نسبتها إلى النَّبِي

- صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - كما زعم كاتب هذه المادة في " دائرة المعارف الإسلامية " بل الكثرة من الأحاديث المدونة ثابته بطرق الإثبات الموثوق بها، وَمُتَلَقَّاةٌ عن النَّبِي وقد احتاط أئمة الحديث عند جمعه غاية الاحتياط وعنوا بنقد السند والمتن عناية فائقة، كما وضحت ذلك فيما سبق بما لا يدع مجالا للشك في هذا، وَمَيَّزُوا المقبول من المردود، وكان لهم إلى جانب ما وضعوا من أصول وقواعد لنقد المرويات مَلَكَةً خاصة يُمَيِّزُونَ بها بين الغث والسمين، ونحن لا ننكر ما كان للخلافات السياسية والمذهبية والكلامية من أثر في وضع الأحاديث، ولكن الذي ننكره غاية الإنكار أنْ تكون الكثرة من الأحاديث المُدَوَّنَة من آثار الوضع والاختلاق.

طَعْنُهُ فِي مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:

وفي ص [٩١] ذكر فصلا عنوانه «معاوية والشام» ذكر فيه ما وضع في فضائل معاوية - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - وبلاد الشام، وذكر في حق هذا الصحابي الجليل أنه من الطلقاء ومن المُؤَلَّفَةِ قلوبهم.

وقد غاب عنه أنَّ الكاتبين في تاريخ الصحابة ذكروا عن الواقدي وابن سعد أنه أسلم بعد الحُديبية قبل الفتح وأنه أخفى إسلامه مخافة أهله (١) وأنه كان في عُمْرَةِ القضاء مسلماً، وإذا كان هو وأبوه من المُؤَلَّفَةِ قلوبهم في رأي البعض، ففي رأي الكثيرين أنه ليس من المُؤَلَّفَةِ قلوبهم، قال أبو عمر بن عبد البر: معاوية وأبوه من المُؤَلَّفَةِ قلوبهم ذكره في ذلك بعضهم وهو يشعر بأنَّ الكثيرين لا يريدون هذا الرأي، ولذا نجد الحافظ المُحَقِّقَ ابن حجر لم يذكر في ترجمته شيئاً من هذا، وإنما ذكر في ترجمة أبيه أنه من المُؤَلَّفَةِ قلوبهم، ومهما يكن من شيء فقد أسلم وحسن إسلامه، وكان أحد كتبة الوحي بين يدي النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان له جهاد مشكور في نشر دعوة الإسلام وتوسيع فتوحاته، ولم تعرف عنه دخلة في إيمانه ولا ريبة في إخلاصه لإسلامه.


(١) " الاستيعاب ": ج ٣ ص ٣٩٥ على هامش " الإصابة ": ج ٣ ص ٤٣٣، و " فتح الباري ": ج ٦ ص ٨٢.

<<  <   >  >>