للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن لا نشك أنه وضع في فضائله أحاديث كثيرة، وكيف وقد أحصى الأئمة كل ذلك، وكلنا نُجِلُّهُ عن أنْ يكون له دخل فيما وضع في فضائله وفضائل الشام، بل وعن الرضا به، ولئن قال الإمام اسحق بن راهوية: أنه لم يصح في فضائل معاوية شيء، فقد ذكر له الإمام الكبير البخاري بعض فضائله، ولا يضيره كون الإمام البخاري آثر التعبير في حقه بلفظ «باب ذكر معاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -» ولم يقل «باب فضل معاوية» كما صنع في غالب الأبواب، فقد صنع مثل هذا في فضل العباس وابنه عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - (١) كما لا يضيره أن البخاري - رَحِمَهُ اللهُ - لم يخرج حديثاً مرفوعاً على شرطه في فضله وأنه خرج في " صحيحه " حديثين موقوفين عن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أحدهما يثبت الصُحْبَةَ، والثاني الفقه في الدين، وبحسب معاوية فضلاً عند المنصفين أنْ يكون صحابياً وفقيهاً، ثم إنَّ عدم ثبوت حديث في فضائله مرفوعاً إلى النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شرط البخاري لا ينفي ثبوت أحاديث في فضائله خَرَّجَهَا غير البخاري من أصحاب الكتب المعتمدة، وقد ذكر المؤلف نفسه حديثين مرفوعين في فضائله رواهما الترمذي، وهما من أصح ما ورد في فضائله، وقد عرض لما ورد في فضائله الحافظ الناقد ابن كثير في " البداية والنهاية " (٢) وبين الموضوع من غيره ثم قال: «ثُمَّ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَوْضُوعَةً بِلاَ شَكٍّ فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ، أَضْرَبْنَا عَنْهَا صَفْحًا، وَاكْتَفَيْنَا بِمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الأَحَادِيثِ الصحاح والحِسَانِ والمستجادات عما سواها من الموضوعات وَالْمُنْكَرَاتِ» وإذا فليس من الإنصاف في البحث أنْ نجعل كل ما ورد في فضائله موضوعاً وأنْ نجرده من كل خصيصة وفضل.

وأيضا فإننا لا ننكر ما وضع في فضل الشام وغيرها من البلاد المشهورة وكذلك لا ننكر أنَّ أحاديث الأبدال التي عرض لها مدسوسة على النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما نَبَّهَ على ذلك نُقَّادُ الحديث وجهابذته، وإنْ كان البعض قد أثبت بعضها، ولكن الذي ننكره البتة أنْ يكون معاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - هو الذي أوحى بهذا الاختلاق، وأنْ يكون له ضلع فيه، وإليك غمزه ولمزه في [ص ٩٤] قال: «وما كاد معاوية يذكر - يعني في خطبته التي خطبها لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسن سَنَةَ ٤١ هـ -


(١) " فتح الباري ": ج ٦ ص ٦٢، ٨٠.
(٢) ج ٨ ص ٢١٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>