أنَّ الشام هي أرض الأبدال حتى ظهرت أحاديث مرفوعة عن هؤلاء الأبدال ثم ذكرها».
ومِمَّا يلقم المؤلف حجراً وينفي الظنة والتُّهمة عن معاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قاله شيخ الإسلام ابن تيمية من أنَّ لفظ الأبدال لم يَرِدْ إِلاَّ في حديث شامي منقطع الإسناد، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مرفوعاً إلى النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنَّ الأشبه أنه ليس من كلام النَّبِي، ومن العجيب حقاً أن المؤلف نقل كلام ابن تيمية ضمن نقله عن السيد رشيد رضا - رَحِمَهُ اللهُ - في تزييف أحاديث الأبدال من [ص ٩٥ - ٩٩]، فلو أنَّ هذا الحديث كان مروياً عن معاوية لقلنا معه: لعل وعسى: ولكن الأمر كما ترى، وقد حاول السيد رشيد أنْ يُبَيِّنَ أنَّ الحديث المروي عن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على فرض ثبوته ليس المراد الأبدال بالمعنى المعروف عند الصُّوفِيَةِ، ولكن المُحَرِّفِينَ وَالمُتَزَلِّفِينَ هم الذين حملوه على هذا، ومن أعجب العجب اَيْضًا أنَّ المؤلف ينقل نقولاً يستجودها، وهي في الواقع ونفس الأمر تَرُدُّ ما يعتنقه ويهواه من آراء مبتسرة، وقد فعل ذلك في مواضع كثيرة من كتابه.
وقُصَارَى القول أنَّ أئمة الحديث وصيارفته قتلوا المرويات بحثاً، وأفنوا أعمارهم فيها، ولم يَدَعُوا رواية في الفضائل وغير الفضائل إِلاَّ وبَيَّنُوا مكانها من الصحة أو الحسن أو الضعف والاختلاق، وبحسبك أنْ تستعرض الكتب التي أُلِّفَتْ في الأحاديث الموضوعة، وستتبين صدق ما أقول، فهم لم يُقَصِّرُوا في خدمة السُنَّة وتزييف الزائف منها، ولكن المُتَأَخِّرِينَ هم الذين قصرت بهم الهِمَمَ عن العلم بما دونه، فمن ثم وقعوا في كثير من الأخطاء والأغلاط، قال في [ص ١٠١]: «إنَّ وُضَّاعَ الحديث وضعوا أحاديث تسوغ لهم ما يضعون» ثم قال: «وأورد ابن حزم في " الأحكام " عن أبي هريرة مرفوعا قال: «إِذَا حَدَّثْتُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الْحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أُحَدِّثْ». وعنه اَيْضًا: أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«مَا بَلَغكُمْ عَنِّي مِنْ َقْوٍل حَسَنٍ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ» ونحن لا نشك - ولا أي عاقل - في أنَّ هذين الحديثين وما على شاكلتهما - تناقضاً وتهافتاً - موضوعان، وأنَّ نظرة فاحصة إلى المتن لَتَدُلُّنَا على أنَّ هذا لا يصدر عن معصوم فضلا عن عاقل، فكيف يتأتى من أعقل العقلاء أنَّ ما لم يقله ما دام حسناً فقد قاله؟! بل كيف يأمر بالأخذ بحديث حَدَّثَ به أو لم يُحَدِّثُ؟ إنَّ هذا لعجب عُجاب!