للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الله فيما شرع وحكم.

إذا علمنا كل ذلك - وقد دَلَّلْنَا فيما سبق - أَيْقَنَّا أنَّ الرواية بالمعنى لم تَجْنِ على الدِّينِ، وأنها لم تُدْخِلْ على النصوص التحريف والتبديل كما زعم بعض المُسْتَشْرِقِينَ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ، وأنَّ الله الذي تَكَفَّلَ بحفظ كتابه قد تَكَفَّلَ بحفظ سُنَّة نبيِّه من التحريف والتبديل، وقَيَّضَ لها في كل عصر من

ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين، فذهب الباطل الدخيل، وبقي الحق مورَدًّا صافياً للشاربين {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (١).

والآن لنشرع في الرَدِّودِ والدفاع، ومن الله أستمدُّ العونَ والتوفيقَ.

نَقْدٌ إِجْمَالِيٌّ لِكِتَابِ أَبِي رَيَّةَ:

في رمضان من عام ١٣٦٤ هـ (أغسطس عام ١٩٤٥) نشر الأستاذ «محمود أَبُو رَيَّةَ»

مقالاً بـ " الرسالة " العدد «٦٣٣» تحت عنوان «الحَدِيثُ المُحَمَّدِي» ضَمَّنَهُ آراءه في بعض مباحث الحديث، وذكر أنها خلاصة كتاب سينشر، فلما قرأته وجدت فيه عُزُوفاً عن الحق والصواب في بعض ما كتب، فأخذتُ بالقلم وكتبت رَدًّا أرسلتُ به إلى " الرسالة " فنشر بالعدد «٦٤٢» وقلت في ختام الرَدِّ: «وحيث إنَّ المقال خلاصة كتاب سينشر، فإني لأهيب بالأستاذ أنْ يراجع نفسه في بعض الحقائق التي تَكَشَّفَتْ له، وليكر على الكتاب من جديد بالتمحيص والتدقيق، وعلم الحديث ليس بالأمر الهَيِّنِ، والبحث فيه يحتاج إلى صبر وأناة وتمحيص وتدقيق» وقد أبى الكاتب أنْ يُسَلِّمَ بكل ما أخذته عليه، فكتب رَدًّا على رَدِّي نشر بـ " الرسالة " العدد «٦٥٤» وذكر في مقدمة رَدَّهِ أنَّ مقالي «ينزع إلى الحق ويطلبه، وأنه يستحق العناية ويستأهل الرَدَّ» ثم تَرَيَّثَ الأستاذُ في نشر ما عَنَّ له من فصول هذا الكتاب فقلتُ: لعلَّه راجع نفسه.

وفي عامنا هذا (١٣٧٧ هـ - ١٩٥٨ م) طلع علينا الأستاذ «أَبُو رَيَّةَ» بكتاب تحت عنوان: " أضواء على السُنَّة المحمدية " فقرأت الكتاب قراءة باحث مُتثبَّتٍ مُستبصرٍ، فإذا هو صورة مُكَبَّرَة لما أوجز في مقاله القديم، وإذا بالمؤلف لم يُغَيِّرْ


(١) [سورة سبأ، الآية: ٤٩].

<<  <   >  >>