للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبيح، يَتَبَيَّن لنا تهافت ما ذكره في [ص ١٧٩، هامش] حيث قال: «اتخذ الذين لا يعلمون قول أبي هريرة هذا حُجَّةً على أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكره الشعر، وفشا ذلك بين المسلمين وغير المسلمين في حين أنا نجده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُصْغِي إلى الشعر ويمدحه ويثيب عليه إلى أن قال: وفي القرآن عشرات من الأبيات الشعرِيَّةَ وكثير جدا من الأشطار فمن الرمل:

وَجِفَان كَالْجَوَابِ * ... * ... * وَقُدُور رَاسِيَاتٍ

ومن الخفيف:

وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا * ... * ... * يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ

ومن الوافر:

وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ * ... * ... * وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَا

ولا نستوفي كل ما جاء في القرآن من أبيات وأشعار حتى لا يطول بنا الطريق، ونستطرد إلى ما هو خارج عن موضوعنا».

ولا أدري إذا لم يكن هذا استطرادًا وخروجًا عن الموضوع فما هو الاستطراد والخروج إِذًا؟ ولو أن الأمر وقف عند حد الاستطراد لهان الأمر، ولكن المؤلف سقط في أمر من البدهي نفيه عن القرآن وهو وجود الشعر فيه: والشعر - يا مدعيًا التأدب - لا يكون شعرًا إِلاَّ بالقصد، والعلماء لما قالوا: إن الكلام الموزون لا يكون شعرًا إِلاَّ بالقصد استدلوا على ذلك بوقوع جمل موزونة في القرآن الكريم مع الاتفاق بين العلماء قاطبة على عدم تسمية ذلك شعرًا، وكيف خفي على المؤلف ذلك والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (١).

فقد نفت الآية أن يكون القرآن شعرًا، وقصرته على كونه ذكرًا وقرآنًا مبينًا، يقول العَلاَّمَةُ الزمخشري - وهو من أدباء العربية غير منازع ورائد المفسرين في الكشف عن أسرار الإعجاز -: «أي وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء، والشعر إنما هو كلام موزون مقفي يدل على معنى فأين الوزن وأين التقفيه وأين المعاني التي ينتجها الشعراء من معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه؟ فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللَّهُمَّ إِلاَّ أن هذا لفظ عربي كما أن ذاك كذلك ثم قال:

فإن قلت فقوله:


(١) [سورة يس، الآية: ٦٩].

<<  <   >  >>