للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي هريرة، وروى آخره عن أنس (١)، ورواه الإمام مسلم عن أبي هريرة من طرق عدة لا يتطرق إليها الارتياب، ورواه اَيْضًا عن أبي سعيد الخُدري مرفوعًا، وروى آخره عن أنس بن مالك، ولو أن الحديث كان من رواية أبي هريرة وحده لما اقتضى هذا الطعن فيه، فما بالك وقد روى عن غيره من الصحابة كما سمعت، وبذلك انهار الأساس الذي بنى عليه كلامه، وهو أنه من رواية أبي هريرة وحده، وإذا كان أبو هريرة ليس بالعدل الثقة عند المؤلف، فما رأيه والحديث ثبت عن غيره من الصحابة؟!.

هذا من ناحية الرواية، وأما من ناحية الدراية فلا نرى عليه غُبَارًا يثير الشك، وإنما يستشكل هذا من لم يتذوق لغة العرب وأساليبهم في البيان، وفي الكتاب الحق: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (٢)

والحديث سيق مساق التمثيل بجعل الجنة والنار بمنزلة شخصين عاقلين يتحاوران ويتجادلان، ثم يفصل بينهما الحُكْمُ العَدْلُ بما فيه فصل الخطاب، وفي لغة العرب وطرقهم في «البيان» الكثير من ذلك، قال الشاعر العربي:

شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى * ... * ... * صَبْرًا جَمِيلاً فَكِلاَنَا مُبْتَلَى

ولا شكوى ولا كلام وإنما هو تمثيل.

وقال امرؤ القيس في معلقته المشهورة مخاطبا الليل:

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ * ... * ... * وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِى * ... * ... * بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ


(١) «كتاب التفسير»، باب قوله «وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» و «كتاب التوحيد»، باب قول الله تعالى: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».
(٢) [سورة ق، الآية: ٣٠].

<<  <   >  >>