«وَاكْفِتُوا (١) صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ» أي ضموهم إليكم، والمعنى امنعوهم من الحركة والخروج من البيوت في هذا الوقت، وقد عَلَّلَ ذلك بقوله:«فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً» وقد روي من طريقين آخرين بلفظ «فإنَّ الشياطين» وَهُمْ المرادون من لفظ الجن في الرواية الأولى، ومِمَّا ينبغي أنْ يعلم أنَّ الشيطان في لغة العرب يطلق على المتمرد من الجن والإنس والحيوان، بل والهوام والطيور.
وشواهد ذلك كثيرة في لغة العرب، ومن ذا الذي يجهل ما عسى أن يلحق الأولاد عند المساء من مَرَدَةِ الجن والإنس والحيوانات والهوام؟ وهذا أمر مشاهد محسوس، وفي الرواية الأخرى «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ [قَالَ]: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ» أليس في هذا تنبيهًا إلى ما هو مشاهد من أن الحيوانات الكاسرة والهوام المؤذية التي من شأنها الاستتار نهارًا لا تلبث وقد شاهدت إقبال الظلمة أن تسرح وتخرج من مساربها وفي نفسها عرامة وشراسة فلا تصادف إنسانًا إِلاَّ آذته، والحديث لم يعين المراد من الشياطين أهم شياطين الجن أم شياطين الإنس أم شياطين الحيوان؟ فالحديث أَيًّا كَانَ محمله صحيح في معناه وسام في مغزاه.
«وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ» وقد قال أئمة الحديث وشراحه: إن هذا الإرشاد النبوي ليس خَاصًّا بالمصابيح بل يشمل إطفاء أي نار كنار الكانون والتنور، فانظر إلى مرونتهم في الفهم وعدم جمودهم ووقوفهم عند ظاهر النص.
وكان على المؤلف أن يذهب إلى البَاحِثِينَ الاِجْتِمَاعِيِّينَ - إن كان لا يقتنع بكلام شُرَّاحِ الحَدِيثِ - ليدلوه على سمو هذا الإرشاد النبوي، بل ليذهب إلى وزارة الداخلية وسيخبرونه بما تجره الفتيلة، والكانون، والتنور من حرائق وأضرار لا حصر لها.
ولعلك أيها القارئ المُنْصِف ازددت يقينًا إلى يقين بأن المؤلف بلغ من حقده