للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم بحالهم بل فيها ما يشعر بأن الله سيفضحهم ويكشف أمرهم لنبيه والمؤمنين المرة بعد المرة فالمراد بالمرتين التكثير كقوله سبحانه: {ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} (١).

والآية تشعر باطلاع الله - سبحانه نَبِيَّهُ على أحوالهم ولا سيما وقد ورد في الرواية ما يؤيد ذلك أخرج ابن أبي حاتم والطبراني في " الأوسط " وغيرهما عن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: «قام فينا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة خطيبا، فقال: «قُمْ يَا فُلاَنُ فَاخْرُجْ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ، اخْرُجْ يَا فُلاَنُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ»، فَأَخْرَجَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَضَحَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ شَهِدَ تِلْكَ الجُمُعَةَ لِحَاجَةٍ كَانَتْ لَهُ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ المَسْجِدِ فاخْتَبَأَ مِنْهُمُ اسْتِحْيَاءً أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الجُمُعَةَ، وَظَنَّ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا، واخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَرَ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عِلْمَ بِأَمْرِهِمْ، فَدَخَلَ عُمَرُ المَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ لَمْ يَنْصَرِفُوا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَقَدْ فَضَحَ اللَّهُ المُنَافِقِينَ اليَوْمَ، فَهَذَا العَذَابُ الأَوَّلُ، وَالعَذَابُ الثَّانِي عَذَابُ القَبْرِ» وفي رواية ابن مردويه عن أبي مسعود الأنصاري: «أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ رَجُلاً».

٧ - وأما قوله فيما نقل عنه: «فكل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية فهو مظنة لما ذكرنا فمن صدق رواية مِمَّا ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق ومن ارتاب في شيء منها أو ورد عليه بعض المرتابين أو المُشَكِّكِينَ إشكالاً في متونها فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى أو غير ذلك مِمَّا أشرنا إليه.

فهو كلام حق في ذاته وقد قاله المُحَقِّقُونَ في الأمارات التي تعرف بها الأحاديث الموضوعة ولكن الخطأ إنما يعرض في التطبيق فما يكون مشكلاً عنده لا يكون مشكلاً عند آخر، وما يتراءى لبعض الناس أنه مخالف للسنن الكونية قد لا يكون مخالفًا عند التحقيق والتدقيق، وما يعتبره البعض مخالفًا للقطعي أو للحس قد لا يعتبره الآخر كذلك، فَمِنْ ثَمَّ دخلت المغالط الكثيرة على المؤلف وغيره مِمَّنْ عرضوا لنقد الحديث، وذلك لأنهم جعلوا جل غايتهم التزييف والهدم، فمن ثم تلمسوا أَوْهَى الأسباب، وركبوا كل صعب في سبيل إظهار بعض الأحاديث بمظهر


(١) [سورة الملك، الآية: ٤].

<<  <   >  >>