للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرَدُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ المَزَاعِمِ:

وهكذا نجد المؤلف يلجأ إلى التهويل والتزييف كي يوهم القارئ أن " الصحيحين " فضلاً عن غيرهما من كتب السنن والمسانيد فيها ضعيف كثير وموضوعات وَهَذِهِ شَنْشَنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، ونحن لا ننكر أن الدارقطني وغيره انتقد على " الصحيحين " أحاديث، ولكن ليس معنى هذا أن هذه الأحاديث ضعيفة أو موضوعة، كَلاَّ بل انتقدهما لأنهما نزلا فيها

عن الدرجة العالية في الصحة التي التزماها في كتابيهما، وقد أجاب عن هذه الأحاديث المنتقدة على البخاري الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة " الفتح " والإمام النووي في " شرحه على مسلم " وأغلب هذه الأحاديث المنتقدة الجواب عنها سهل، وبعضها في الجواب عنه تكلف وهذا البعض لا يزيد عن بضعة أحاديث في " الصحيحين "، فهل من العدل والإنصاف أن يهول المؤلف هذا التهويل من أجل بضعة أحاديث في الجواب عنها شيء من التكلف؟!!

وإليك ما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة " الفتح " (١) بعد أن ذكر الأحاديث المنتقدة وأجاب عنها حَدِيثًا حَدِيثًا قال: «هَذَا جَمِيعُ مَا تَعَقَّبَهُ الحُفَّاظُ النُقَّادُ العَارِفُونَ بِعِلَلِ الأَسَانِيدِ المُطَّلِعُونَ عَلَى خَفَايَا الطُّرُقِ، وَلَيْسَتْ كُلُّهَا مِنْ أَفْرَادِ البُخَارِيِّ بَلْ شَارَكَهُ مُسْلِمٌ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا .. وَعِدَّةَ ذَلِكَ اثْنَتَانِ وَثَلاَثُونَ حَدِيثًا، فَأَفْرَادُهُ - أَيْ البُخَارِيُّ - مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ فَقَطْ، وَلَيْسَتْ عِلَلُهَا كُلُّهَا قَادِحَةٌ، بَلْ أَكْثَرُهَا الجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ، وَالقَدْحُ فِيهِ مُنْدَفِعٌ، وَبَعْضُهَا الجَوَابُ عَنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاليَسِيرُ مِنْهُ فِي الجَوَابِ عَنْهُ تَعَسُّفٌ، كَمَا شَرَحْتُهُ مُجْمَلاً فِي أَوَّلِ الفَصْلِ، وَأَوْضَحْتُهُ مُبَيِّنًا مَآثِرَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا، فَإِذَا تَأَمَّلَ المُصَنِّفُ مَا حَرَّرْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَظَّمَ مِقْدَارَ هَذَا المُصَنَّفِ - صَحِيحُ البُخَارِيِّ - فِي نَفْسِهِ، وَجَلَّ تَصْنِيفُهُ فِي عَيْنِهِ، وَتَابَعَ الأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي تَلَقِّيهِ بِالقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَقْدِيمِهِمْ لَهُ عَلَى كُلِّ مُصَنَّفٍ فِي الحَدِيثِ وَالقَدِيمِ، وَلَيْسَا سَوَاءٌ: مَنْ يَدْفَعُ بِالصَّدْرِ لاَ يَأْمَنُ دَعْوَى العَصَبِيَّةِ، وَمَنْ يَدْفَعُ بِيَدِ الإِنْصَافِ عَلَى القَوَاعِدِ المَرْضِيَّةِ وَالضَّوَابِطِ المَرْعِيَّةِ» فَلِلَّهِ الحَمْدُ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ وَاللهُ المُسْتَعَانُ


(١) ج ٢ ص ١١٠.

<<  <   >  >>