«وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِمَا، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُحِبُّهُ أَصْحَابُهُ كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا» وإذا كان بلغ حبهم للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم كانوا يتزاحمون على فضل وضوئه، وما يسيل منه وأنه ما كان يتنخم نخامة، ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه ووقع في يد رجل منهم فإلى أي حد نتصور أثر هذا الحب في حفظ حديثه وسننه، إن بعض الزعماء اليوم، ورجال السياسة يحفظ الناس من مأثور كلامهم الشيء الكثير، فكيف يستبعد مستبعد أن يحفظ أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه الكثير والكثير ويبلغوه إلى من بعدهم على الفرق الشاسع ما بين النبوة والزعامة، وما بين الصحابة أتباع النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين أتباع الزعماء
الحقيقة الثالثة:
نشاط الصحابة ومن بعدهم على العناية الفائقة بالسنة وجمعها وحفظها بعد وفاة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأوفوا في ذلك على الغاية.
فهذا هو جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يرحل في سماع حديث من راويه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهرًا كاملاً، ويشتري بعيرًا لذلك، رواه البخاري تعليقًا، وهذا ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يبلغه الحديث عن أحد الصحابة فيذهب إليه ليسمعه منه فوجده نائمًا فيتوسد رداءه على بابه تسفي الريح عليه التراب فخرج الصحابي فوجده: فقال: «مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟، هَلاَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟»، فيقول:«أَنَا أَحَقُّ أَنْ [آتِيَكَ]»، فيسمع منه الحديث وينصرف وأمثال جابر بن عبد الله وأمثال ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - كثيرون وكثيرون من الصحابة.
وكذلك حافظ على العناية بالسنن والأحاديث من جاء بعدهم من التابعين روي عن سعيد بن جبير أنه يكون مسافرًا مع ابن عباس فيسمع منه الحديث فيكتبه في مقدمة الرحل حتى إذا نزل قيده في كتابه.
الحقيقة الرابعة:
ما امتاز به علماء الإسلام من لدن الصحابة إلى أن تم جمع السنة وتدوينها تدوينا عاما من حفظ لألفاظها، وفهم لمعانيها، وتفقه لأحكامها، ومناهضتهم لحركة