للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد من العدل عند المُحَدِّثِينَ عدل الرواية فيدخل فيه الذكر والأنثى والحُرُّ والعبد والمُبصر والكفيف، وقد كان المُحَدِّثُونَ على حَقٍّ في عدم اشتراط الذكورة أو الحرِيَّةَ أو الإبصار، لأنَّ كثيراً من الأحاديث رَوَتْهَا أمهات المؤمنين وغَيْرُهُنَّ من النساء، ورواها الموالي كزيد بن حارثة، والأكفاء كابن أم مكتوم.

٤ - الضبط وهو قسمان:

[أ] ضبط صدر.

[ب] ضبط كتاب.

فالأول: أنْ يحفظ ما سمعه من شيخه بحيث يتمكَّن من استحضاره والتحديث به متى شاء من حين سماعه إلى حين أدائه.

والثاني: هو محافظته على كتابه الذي كتب فيه الأحاديث وصيانته عن أنْ يتطرَّق إليه تغيير ما منذ سماعه فيه وتصحيحه إلى حين الأداء منه، ولا يعيره إِلاَّ لمن يثق فيه ويتأكد من أنْ لا يغيِّر فيه.

وضبط الصدر مُجْمَعٌ عليه، وأما ضبط الكتاب فخالف في قبول الرواية به بعض الأئمة الكبار كأبي حنيفة ومالك (١) - رَحِمَهُمَا اللهُ -، والجمهور على قبول رواية من روى من كتابه بشرط التحفُّظ عليه.

فإذا اجتمع في الراوي هذه الشروط كان أهلاً لقبول روايته، وليس من شك في أنَّ مَنْ توفَّرت فيه هذه الشروط ترجَّح ترجُّحاً قويّاً صدقه على جانب كذبه، بل مَنْ اطَّلع على منهج المُحَدِّثِينَ في النقد وطريقتهم في التعديل والتجريح ومُبالغتهم في التحري عن معرفة حقيقة الراوي وطويَّة نفسه، والأخذ بالظنَّة والتُّهمة في رَدِّ مروياته، يكاد يجزم بأنَّ تجويز الكذب على الراوي المستجمع لهذه الشروط أمر فَرَضِيٌّ واحتمالٌ عقليٌّ، وهذه الحقيقة قد تبدو لبعض مَنْ لَمْ يدرس كتب الرجال والنقد عند المُحَدِّثِينَ فيها شيء من المُغالاة ولكن الحق ما ذكرتُ، ومن أبعد النجعة في كتب القوم عرف، ومن عرف اعترف.


(١) " مقدمة ابن الصلاح ": ص ١٨٥.

<<  <   >  >>