ووظيفة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولاً وبالذات هو طب القلوب والأديان، ولكن شريعته وَسُنَّتُهُ قد اشتملت على الكثير من طب الأبدان سواء أكان روحانيًا أم جسمانيًا، وليس أدل على ذلك مما اشتمل عليه الصحيحان:" صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " وغيرهما من كتب الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع من " كتاب الطب " ضمن كتبها، وقد جمع بعض العلماء المحدثين في ذلك كتبًا مستقلة، ككتاب " الطب النبوي " لأبي نعيم، وكتاب " الطب النبوي " للسيوطي، وكتاب " الطب النبوي " لابن القيم.
والذي يهمني من كل هذا أن أنزع من نفوس النابتة التي نبتت فزعمت أن الطب النبوي من قبيل الأمور الدنيوية التي تحتمل الخطأ والصواب - هذا الزعم الباطل الذي لم يقم عليه دليل، بل قامت ضده كثير من الأدلة.
ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ:«اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ:«اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ - يعني فلم يبرأ - فَقَالَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ - يعني في المرة الرابعة - فَبَرَأَ. أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
ويعجبني في هذا المقام ما قاله الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية قال رحمه الله وأثابه: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَاهُنَا أَمْرًا آخَرَ نِسْبَةُ طِبِّ الأَطِبَّاءِ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الطَّرْقِيَّةِ (١) وَالْعَجَائِزِ إِلَى طِبِّهِمْ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ حُذَّاقُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [بِالطِّبِّ] مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ قِيَاسٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ تَجْرِبَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ إِلْهَامَاتٌ، وَمَنَامَاتٌ، وَحَدْسٌ صَائِبٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أُخِذَ كَثِيرٌ مِنْهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ» .... إلى أن قال: