للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا» ... إلخ) مثل ما صنع سابقاً، فقد نقل عن الحافظ ابن حجر أنه لا يرى تواتر حديث «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» إلخ ... حيث قال - في [ص ٤٢]-: «ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه (جماعة) أنه (متواتر) ونازع بعض مشايخنا في ذلك، لأنَّ شرط المتواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق منها». واقتصر على هذا القدر وقد ترك ما ذكره الحافظ عقب هذا وهو ما نصه (١) بالحرف الواحد: «وأجيب بأنَّ المراد بإطلاق كونه متواتراً رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم، وأيضاً فطريق «أنس» وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم، نعم وحديث عَلِيٍّ رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو، فلو قيل في كل منها: إنه متواتر عن صحابيه لكان صحيحاً، فإنَّ العدد المُعَيَّنَ لا يشترط في المتواتر، بل ما أفاد العلم كفى، والصفات العلية في الرُواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت " علوم الحديث " وفي شرح " نخبة الفكر " وَبَيَّنْتُ هناك الرَدَّ على من ادَّعَى أنَّ مثال المتواتر لا يوجد إِلاَّ في هذا الحديث، وَبَيَّنْتُ أنَّ أمثلته كثيرة منها حديث: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا»، والمسح على الخفين، ورفع اليدين، والشفاعة، والحوض، ورؤية الله في الآخرة، و «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وغير ذلك، والله المستعان».

والظاهر أنَّ قوله: «وأيضاً ... الخ، من كلام الحافظ لا من نقله، فهل بعد هذا الكلام الصريح الذي تَعَمَّدَ المؤلف تركه يزعم أنَّ الحافظ ابن حجر لا يقول بتواتره كما هو فحوى كلامه؟!!

أما ما ذكره في حاشية [ص ٣٩] من «أنَّ أدعياء السُنَّة وعبيد الأسانيد في عصرنا لا يزالون يكابرون في إثبات الزيادة، وكأنهم أعلم بالحديث من ابن قتيبة والبخاري والنسائي والمنذري والخطابي وابن حجر وابن القيم والسيوطي وغيرهم»: فَهُرَاءٌ لا أَرُدُّ عليه، ولكني أقول له: ألاَ تستحي من ذكر البخاري وهو الذي خَرَّجَ الزيادة في أكثر رواياته؟ بل ومن ذكر الحافظ ابن حجر الذي أفاض في بيان ثبوتها؟ وصدق النَّبِي الحكيم حيث يقول: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ


(١) ج ١ ص ١٦٤ طبعة الأزهرية.

<<  <   >  >>