للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن الأنباري: لما تأخرت الأرجل بعد الرءوس نسقت عليها للقرب والجوار (١).

وقد أخذت عامة الشيعة بأن الآية نصّ في أن الواجب المسح لا الغسل، وحجتهم في ذلك قراءة الكسر، وهي كما علمت متواترة، وتوجيهها إلى المسح معقول.

ولكن ماذا صنع القوم بقراءة النّصب وهي أيضا متواترة، وهي قراءة عاصم برواية حفص، وعامة الشيعة يلتزمونها اليوم؟

وجّه الشّيعة استدلالهم إلى أن قراءة النّصب أيضا تفيد المسح لا الغسل، وأن فعل: مسح، قد يتعدى بالباء وقد يتعدى بدون باء، فكأن تقدير العبارة: وامسحوا رءوسكم وأرجلكم، فلحقت الباء بالرءوس للإشارة إلى تبعيض المسح، وبقيت الأرجل على النّصب وهو الأصل، وهذه عبارة المفسّر الشيعي الطباطبائي: «وقرئ: وأرجلكم بالنّصب، وأنت إذا تلقّيت الكلام مخلّى الذهن غير مشوب الفهم لم يلبث أن تقضي أن أَرْجُلَكُمْ منصوب على موضع رُؤُسَكُمْ وهو النصب- أي: بنزع الخافض- وفهمت من الكلام وجوب غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، ولم يخطر ببالك أن ترد أَرْجُلَكُمْ إلى وُجُوهَكُمْ في أول الآية مع انقطاع الحكم في قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ بحكم آخر، وهو قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فإن الطبع السليم يأبى حمل الكلام البليغ على ذلك، وكيف يرضى طبع متكلم بليغ أن يقول مثلا: قبلت وجه زيد ورأسه، ومسحت بكتفه ويده، بنصب يد عطفا على وجه زيد، مع انقطاع الكلام الأول، وصلاحية قوله: (يده) لأن يعطف على محل المجرور المتّصل به، وهو أمر جائز دائر، كثير

الورود في كلامهم» (٢).

ثم عطف الطباطبائي بالرّد على استدلال أهل السّنة والجماعة في قولهم: إن قراءة الجرّ وردت على سبيل العطف في اللفظ دون المعنى، وذلك كما ورد في شعر العرب علفتها تبنا، وماء باردا، فقال: «وفيه أن مرجعه إلى تقدير فعل يعمل عملا يوافق إعراب حال العطف، كما يدل عليه ما استشهد به من الشعر، وهذا المقدر في الآية إما فَاغْسِلُوا وهو يتعدى بنفسه لا بحرف الجرّ، وإما غيره وهو خلاف ظاهر لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة، وأيضا ما استشهد به من الشعر إما من قبيل المجاز العقلي، وإما بتضمين علفت معنى أعطيت، وأشبعت، ونحوهما.


(١) انظر تفسير آيات الأحكام للصابوني، ط مؤسسة الغزالي ١/ ٥٣٦.
(٢) تفسير الميزان ٥/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>